أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك، إني أخاف أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك وأخرى عليك، فيقتتلون فتكون أنت لأول الأسنة، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها دما وأذلها أهلا، فقال له الحسين عليه السلام: " فأين أذهب يا أخي؟ " قال: انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فسبيل ذلك، وإن (نبت بك) (١) لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى بلد، حتى تنظر (ما يصير أمر الناس إليه) (٢)، فإنك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الأمر استقبالا. فقال: " يا أخي قد نصحت وأشفقت، وأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا ".
فسار الحسين عليه السلام إلى مكة وهو يقرأ: ﴿فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين﴾ (3) ولزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكبت الطريق الأعظم كما صنع (4) ابن الزبير لئلا يلحقك الطلب، فقال: " لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض ".
ولما دخل الحسين مكة كان دخوله إليها (5) ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان، دخلها وهو يقرأ: (ولا توجه تلقاء مدين قال