انحسر عنا، واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.
فقال لهم المأمون: أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكان أولى بكم، وأما ما كان يفعله من كان قبلي بهم فقد كان قاطعا للرحم، أعوذ بالله من ذلك، ووالله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا، ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه عن نفسي فأبى، وكان أمر الله قدرا مقدورا، وأما أبو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه، والأعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا أن الرأي ما رأيت فيه.
فقالوا؟ إن هذا الصبي وإن راقك منه هديه، فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه، فأمهله ليتأدب ويتفقه في الدين، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.
فقال لهم: ويحكم إنني أعرف بهذا الفتى منكم، وإن هذا من أهل بنت علمهم من الله ومواده وإلهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين به ما وصفت من حاله.
قالوا له: قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شئ من فقه الشريعة، فإن أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين، وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه.
فقال لهم المأمون: شأنكم وذاك متى أردتم. فخرجوا من عنده