الله عليه ما يريده، فانحاز إلى معاوية، واتفقا على الخلاف على علي صلوات الله عليه، وسلكا مسلك أصحاب الجمل في إظهار القيام بثار عثمان (1)، وعمدا إلى قميص فضرجاه بالدم، ورفعاه على رمح، وجعلا يدوران به في جماعة بعثوا بها في نواحي (2) الشام، ويقولون هذا دم خليفتكم المقتول ظلما، فقوموا في دمه، واجتمعت لمعاوية جموع كثيرة لذلك، وسار علي صلوات الله عليه إلى الكوفة، واجتمع له أهل العراق وأهل الحرمين (3) وأفاضل الصحابة من المهاجرين والأنصار ممن قد كان شهد معه وقعة الجمل، وغيرهم ممن لحق به بعد ذلك. و جعل يعذر إلى معاوية ويرسل إليه، فيشترط كما أخبر علي صلوات الله عليه فيما قدمنا ذكره في هذا الكتاب من الحكاية عنه (4)، واشتراطه على الشروط التي لا تحل ولا تجوز.
ومعاوية في كل ذلك لا يدعي إلا إنه عامل عثمان على الشام، ويدفع بيعة علي صلوات الله عليه، ويقول: إنه على إمارة عثمان التي أمره، وعلى ذلك كان يدعى الأمير، إلى أن قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، فتسمى أمير المؤمنين.
وأما تعلقه بتأمير عثمان إياه، فذلك ما لا يجوز، لان الامارة التي عقدها له عثمان قد انقطعت بانقطاع أمر عثمان ووفاته، كما أنه لو وكله على شئ من أمواله، فمات وصار ما وكله عليه ميراثا لورثته لم تبق وكالته إياه، وكان لم ورث ماله خلعه عن الوكالة أو إثباته.