شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٧ - الصفحة ٥٢
رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) قال: هي ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام).
* الشرح:
قوله (قال هي ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)) كان المراد أنا عرضنا الأمانة التي هي ولاية أمير المؤمنين على الأجرام المذكورة بعد خلق الفهم والاختيار فيها، أو عرضناها على أهلها من الملائكة والحيوانات الإنسية والوحشية وأظهرناها عليهم وأقدرناهم على غصبها من علي (عليه السلام) فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان وهو الأول، إنه كان ظلوما على نفسه وعلى من تبعه، جهولا بعاقبة أمره وشناعة خيانته، وفي كلام الفاضل الإسترابادي دلالة عليه حيث قال:
فأبين أن يدعينها أو يغصبنها أهلها وأشفقن منها وحملها الإنسان الأول، إنه كان ظلوما جهولا، ويقرب منه كلام علي بن إبراهيم حيث قال في تفسير الأمانة: هي الإمامة والأمر والنهي، والدليل على أن الأمانة هي الإمامة قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) يعني الأمانة والإمامة عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، قال: أبين أن يدعونها ويغصبوها أهلها وأشفقن منها وحملها الإنسان الأول، كذا في تفسير علي بن إبراهيم «إنه كان ظلوما جهولا» والمشهور عند المفسرين (1) أن المراد بالأمانة التكليف مطلقا وأن هذه الأجرام أشفقن من

1 - قوله «والمشهور عند المفسرين» حكي عنهم في تفسير الأمانة أمور يرجع جميعها إلى وجه واحد، وهي الخاصة المميزة للانسان عن ساير الموجودات، وهذه الخاصة أصلها إدراك الكليات والتمييز بين الحسن والقبح أعني العقل النظري والعملي، ويتفرع على هذا الأصل فروع منها التكليف والأمر والنهي، ومنها خلافة الله في الأرض وتفوقه على ساير الموجودات وكونها مسخرة بأمره، ومنها إطاعة الله تعالى اختيارا وهي فرع قبول التكليف وغير ذلك، وأما كيفية عرض الأمانة على الجمادات ونسبة الإباء والخشية إليها مع عدم شعورها فبعضهم تكلف فيها وقال: المراد من السماوات والأرض أهلها غير الإنسان وهذا غير معقول لأن الأهل إن كان المراد منه الحيوان فهو كالجماد في عدم قابلية الخطاب وإن كان الملائكة فإنهم لا يخشون من الخيانة في الأمانة ويفعلون ما يؤمرون، ووصف جبرئيل بأنه الروح الأمين، وبعضهم تكلف أشد من هذا والتزم بأنه تعالى خلق فيهم الشعور وكلمهم، وقال بعضهم إن هذا تمثيل وتعبير عن عظمة أمر الأمانة وأنه بحيث لا يحتملها الجبال كما هو عادة الفصحاء يقال: لو حمل ما بي من الغم على الصخور لأذابها، وأحسن الوجوه أنه بيان لاستعداد الإنسان لقبول التكاليف وعدم استعداد غيره من هذه الأجسام الكبيرة كما قال تعالى (ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) وأما تفسير الأمانة بالولاية فهي من قبيل بيان أهم المصاديق وأعظم موارد التكاليف لأن العقل والتكليف وأي معنى مثلهما لا يمكن أن ينفك عن ولايته (عليه السلام) والمعرض عنها خائن في أمانة الله قطعا إذا لم يعمل بعقله ولم يمتثل تكليفه ولا فائدة في عقل لا يهدي الإنسان إلى الاعتراف بأنه (عليه السلام) الغاية القصوى في الكمال الممكن لغير واجب الوجود تعالى.
ووصف الإنسان بأنه ظلوم جهول ليس ذما وتنقيصا بل عطف وترحم وإلا فقد قال الله تعالى (فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) ولو كان وصفه بالجهول الظلوم تنقيصا لزم تفضيل ساير الخلق على الإنسان.
(ش)
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»
الفهرست