في هذا، فقالوا له: فإن لم تجد منه فهذا أخوه موسى قصاف عزاف يأكل ويشرب ويتعشق، قال:
ابعثوا إليه فجيئوا به حتى نموه به على الناس ونقول: ابن الرضا، فكتب إليه واشخص مكرما وتلقاه جميع بني هاشم والقواد والناس على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة وبنى له فيها وحول الخمارين والقيان إليه ووصله وبره وجعل له منزلا سريا حتى يزوره هو فيه، فلما وافى موسى تلقاه أبو الحسن في قنطرة وصيف وهو موضع تتلقى فيه القادمون، فسلم عليه ووفاه حقه، ثم قال له: إن هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك فلا تقر له أنك شربت نبيذا قط، فقال له موسى: فإذا كان دعاني لهذا فما حيلتي؟
قال: فلا تضع من قدرك ولا تفعل فإنما أراد هتكك، فأبى عليه فكرر عليه، فلما رأى أنه لا يجيب قال: أما إن هذا مجلس لا تجمع أنت وهو عليه أبدا، فأقام ثلاث سنين، يبكر كل يوم فيقال له: قد تشاغل اليوم فرح، فيروح فيقال: قد سكر فبكره، فيبكر فيقال: شرب دواء، فمازال على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكل ولم يجتمع معه عليه.
* الشرح:
قوله (قصاف عزاف) القصف اللهو واللعب وهو أعم من العزف، وهو اللهو بالمعازف وهي الدفوف والعود والطنبور وغيرهما مما يضرب، وقيل: إن كل لعب عزف وعلى هذا لا يبقى الفرق بينهما إلا أن يراد بالقصف الكسر للعرض ونحوه.
قوله (حتى نموه على الناس ونقول ابن الرضا) التموية التدليس وإخفاء الحق يريد أن ندلس على الناس سيما على الأقاصي، ونقول: ابن الرضا فعل كذا وكذا من المنكرات فإنهم ينتقلون منه إلى أبي الحسن علي بن محمد فيتنفرون منه لأن اشتراك الاسم والنسب قد يضر وربما أراد بذلك كسر شأن الرضا (عليه السلام) أيضا وبالجملة قصده صرف قلوب الخلق عنهم.
قوله (على أنه إذا وافى) متعلق بكتب أي كتب إليه على هذه الشروط والمواعيد بالإحسان الموافق لطبعه، وقوله «وأشخص مكرما - إلى آخره» جملة معترضة لبيان كيفية وروده من استقبال الخلق أجمعين بأمر ذلك اللعين. والقطيعة الطائقة من أرض الخراج يقطعها السلطان من يريد، والقيان جمع القينة وهي الأمة المغنية أو الأعم منها، والمنزل السري، المنزل النفيس المختار الموافق للطبع بحسب الكم والكيف وحسن المنظر.
قوله (فأبى عليه) أي فأبى موسى على أبي الحسن محمد بن علي ولم يقبل قوله، وذلك لميل طبعه إلى لذات الدنيا فكرر عليه تلك النصيحة لعله يتذكر أو يخشى أو يحفظ عرضه فلما رأى (عليه السلام) أنه لا يجيب قوله ولا يسمع نصيحته قال له: إن هذا مجلس لا يجتمع أنت والمتوكل عليه أبدا فأقام موسى ثلاث سنين يبكر كل يوم ويأذن الدخول فيعلل البوابين ويقولون: هو اليوم مشغول بكذا،