فداك؟ قال: هو متمم بن فيروز وهو من أبناء الفرس وهو ممن آمن بالله وحده لا شريك له وعبده بالإخلاص والإيقان وفر من قومه لما خافهم، فوهب له ربه حكما وهداه لسبيل الرشاد وجعله من المتقين، وعرف بينه وبين عباده المخلصين وما من سنة إلا وهو يزور فيها مكة حاجا ويعتمر في رأس كل شهر مرة ويجيء من موضعه من الهند إلى مكة، فضلا من الله وعونا وكذلك يجزي الله الشاكرين، ثم سأله الراهب عن مسائل كثيرة، كل ذلك يجيبه فيها وسأل الراهب عن أشياء لم يكن عند الراهب فيها شيء، فأخبره بها، ثم إن الراهب قال: أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبين في الأرض منها أربعة وبقي في الهواء منها أربعة، على من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء ومن يفسرها؟
قال: ذاك قائمنا، ينزله الله عليه فيفسره وينزل عليه ما لم ينزل على الصديقين والرسل والمهتدين. ثم قال الراهب فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة الأحرف التي في الأرض ما هي؟
قال: اخبرك بالأربعة كلها، أما أولهن فلا إله إلا الله وحده لا شريك له باقيا. والثانية محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مخلصا، والثالثة نحن أهل البيت، والرابعة شيعتنا منا ونحن من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورسول الله من الله بسبب، فقال له الراهب: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأن ما جاء به من عند الله حق وأنكم صفوة الله من خلقه وأن شيعتكم المطهرون المستبدلون ولهم عاقبة الله والحمد لله رب العالمين، فدعا أبو إبراهيم (عليه السلام) بجبة خز وقميص قوهي وطيلسان وخف وقلنسوة، فأعطاه إياها وصلى الظهر وقال له: اختتن، فقال: قد اختتنت في سابعي.
* الشرح:
قوله (من أهل نجران اليمن من الرهبان) النجران موضع معروف بين الحجاز والشام واليمن، والراهب هو واحد الرهبان عابد النصاري، والرهبانية من الرهبة وهي الخوف كانوا يترهبون بالتخلي من أشغال الدنيا وترك ملاذها والزهد فيها والعزلة عن أهلها وتحمل مشاقها حتى أن منهم من يخصى نفسه ويضع السلسلة في عنقه وغير ذلك من أنواع التعذيب ولا رهبانية في الإسلام.
قوله (بخصفة بواري) الخصفة بالتحريك شيء منسوج من خوص النخل وورقة من الخصف وهو ضم الشيء إلى الشيء، والبواري جمع باري وهو الحصير ويقال له: بوريا بالفارسية.
قوله (قال الراهب: لا والله الذي) إنما حلف في نفي العلم بها لئلا يتوهم أنه يعلمها ويضن بإظهارها.
قوله (وجعل عيسى عبرة للعالمين وقتنة لشكر اولي الألباب) العبرة كالموعظة ما يتعظ به وينظر إليه ليعتبر ويستدل به على غيره وهو (عليه السلام) عبرة للعالمين لأنهم يستدلون به على عظمة