الغائب، فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون إخوة تتكافى دماؤهم وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم» فكتبه سفيان ثم عرضه عليه وركب أبو عبد الله (عليه السلام) وجئت أنا وسفيان.
فلما كنا في بعض الطريق قال لي: كما أنت حتى أنظر في هذا الحديث، فقلت له: قد والله ألزم أبو عبد الله (عليه السلام) رقبتك شيئا لا يذهب من رقبتك أبدا فقال: وأي شيء ذلك؟ فقلت له: ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله قد عرفناه، والنصيحة لأئمة المسلمين من هؤلاء الأئمة الذين تجب علينا نصيحتهم؟ معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وكل من لا تجوز شهادته عندنا ولا تجوز الصلاة خلفهم؟
وقوله: واللزوم لجماعتهم فأي الجماعة؟ مرجئي يقول من لم يصل ولم يصم ولم يغتسل من جنابة وهدم الكعبة ونكح امه فهو على إيمان جبرئيل وميكائيل؟ أو قدري يقول: لا يكون ما شاء الله عز وجل ويكون ما شاء إبليس؟ أو حروري يتبرأ من علي بن أبي طالب وشهد عليه بالكفر؟ أو جهمي يقول: إنما هي معرفة الله وحده ليس الإيمان شيء غيرها؟!! قال: ويحك وأي شيء يقولون؟ فقلت: يقولون: إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) والله الإمام الذي يجب علينا نصيحته، ولزوم جماعتهم: أهل بيته، قال: فأخذ الكتاب فخرقه ثم قال: لا تخبر بها أحدا.
* الشرح:
قوله (مر لي بدواة) في بعض النسخ «من لي بدواة» وهو بضم الميم وشد النون أمر من «المن» والاستفهام بعيد.
قوله (كما أنت) أي قف في مكانك وألزمه كما أنت فيه.
قوله (مرجئي) المرجئة بالهمزة والمرجية بالياء: فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا بذلك لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي أي أخره عنهم، يقال: أرجأت الامر وأرجيته بالهمزة أو الياء إذا أخرته، والنسبة إلى المهموز «مرجئي» بضم الميم وسكون الراء وكسر الجيم وتشديد الياء وإلى غيره مرجي بياء مشددة عقيب الجيم.
قوله (أو قدري) قد ذكرنا في باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين أن القدرية تطلق على معنيين أحدهما - وهو الأشهر - أنهم الفرقة المجبرة الذين يثبتون كل الأفعال بقدر الله وينسبون القبايح كلها إليه، وثانيهما المفوضة الذين يقولون فوض الله جميع أفعال العباد إليهم بحيث يخرجون عن ربقة