(عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف) أي عن أن يدرك شرح حقيقة ذاته أو ما له من كمال صفاته بالتحديد والتعيين، أما الأول فلأنه لا حد لحقيقته، وأما الثاني فلأنه ليس لما يعتبره العقول من كماله سبحانه نهاية يقف عندها فيكون العقل حادا له.
(واللطافة منا الصغر والقلة) المستلزمان لعسر إدراك المتصف بهما وصعوبة نفوذ العقل فيه، واللطافة في الواجب ليست بمعنى الصغر والقلة كما عرفت (فقد جمعنا الاسم) أي اسم اللطيف (واختلف المعنى; لأن اللطافة منا صفة حادثة قائمة بنا، وفيه جل شأنه علمه الذي هو نفس ذاته الحقة باعتبار نفوذه في جميع الأشياء، والاختلاف بينهما لا يشتبه على ذي عقل.
(وأما الخبير) إذا أريد سبحانه (فالذي لا يعزب عنه شيء ولا يفوته ليس للتجربة ولا للاعتبار بالأشياء) يعني أنه تعالى خبير بمعنى أنه لا يبعد عنه شيء من الأشياء، ولا يغيب عنه أمر من الأمور، وليس خبره بالأشياء وعدم بعد شيء عنه مستندا إلى التجربة والتكرار ولا إلى النظر، والاعتبار هو العبور من علم إلى علم آخر، وفيه إشارة إلى أن علمه ليس بضروري ولا نظري (فعند التجربة والاعتبار علمان) أحدهما تجربي ضروري والآخر اعتباري نظري، وفي كتاب العيون: «فتفيد التجربة والاعتبار علما» وهو الأصوب والأظهر (ولولاها ما علم) أي لولا التجربة والاعتبار ما علم شيئا ضرورة أن انتفاء السبب يوجب انتفاء المسبب، والمراد بالتجربة ما عدا طريق الاكتساب فيشمل طرق الضرورة كلها.
ولما أشار إلى أن علمه ليس للتجربة والاعتبار بين ذلك وأثبته بقوله: (لأن من كان كذلك كان جاهلا) يعني من استفاد علمه بالتجربة والاعتبار كان جاهلا قبلهما بالضرورة (والله لم يزل) في مرتبة ذاته الحقة من كل جهة (خبيرا بما يخلق) غير المتصف بالجهل أصلا فليس علمه مستفادا منهما (والخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم) (1) الاستخبار السؤال عن الخبر، ولعل المقصود أنه يعتبر في مفهوم الخبير إذا أطلق على الناس زيادة الاحتمال وهي الاتصاف بالخبر يعني العلم بعد الطلب والتعلم من الغير مع جهل سابق، ولا يبعد أن يكون الاستخبار إشارة إلى طلبه بالتجربة ونحوها، والتعلم إشارة إلى طلبه بالاعتبار، فيكون فيه إشارة إلى اعتبار مأخذ العلم وطريقه في هذا