شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٠٥
يستدلون أولا على حدوث الأجسام (1) والأعراض ثم يستدلون بحدوثها وتغييراتها على وجود الصانع، ثم يستدلون بالنظر في أحوال المخلوقات على صفاته واحدة واحدة، مثلا يستدلون بإحكامها وإتقانها على كون صانعها عالما حكيما قادرا وبتخصيصها بأمر ليس للآخر (2) على كونه مريدا وبلطافة خلق بعضها ودقته على كونه لطيفا، وكذلك الحكماء الطبيعيون يستدلون بوجود الحركة على محرك وبامتناع اتصال الحركات لا إلى أول على وجود محرك أول (3) غير متحرك، ثم

١ - قوله: «أولا على حدوث الأجسام» يعنى بالدليل العقلي إذ يريد به إثبات الواجب تعالى كمال قال، ثم يستدل بحدوثها على وجود الصانع، ولا يجوز التمسك هنا بإجماع المسلمين ولا بظاهر الكتاب والأخبار; لأن حجية الإجماع وظاهر النصوص بعد إثبات الواجب تعالى والنبوة والكتاب كما مر في الصفحة ٢٠٠ من هذا الجزء وفي مواضع أخر. (ش) ٢ - قوله: «بتخصيصها بأمر ليس للآخر» ولكن إرادة الله تعالى ليس جزافا بغير علة ومرجح بل يكون تخصيص إرادته بشيء دون شيء بحصول استعداد مرجح لقبول الفيض كما قيل «أبي الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها» و «إذا أراد الله شيئا هيأ أسبابه» وهذا جار في كل شيء، قال تعالى: (حتى يغيروا ما بأنفسهم) وإثبات العمد والتدبير والإرادة هو الأصل في التوحيد الفارق بين المتأله والملحد وإلا فالمبدأ الواجب مما اتفق عليه كل الناس إلا أن المتأله يقول إنه فعل ما فعل بعمد وإرادة، والملحد يقول هو غير شاعر ولا مريد.
وفي توحيد المفضل بعد نقل كلام الإمام (عليه السلام) في فوائد كثير من أعضاء الإنسان قال المفضل فقلت: يا مولاي إن قوما يزعمون أن هذا من فعل الطبيعة. فقال: سلهم عن هذه الطبيعة هي شيء له علم وقدرة على مثل هذه الافعال أم ليست كذلك؟ فإن أوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق فإن هذه صفته، وإن زعموا أنها تفعل هذه الأفعال بغير علم ولا عمد وكان في أفعالها ما قد يراه من الصواب والحكمة علم أن هذا الفعل للخالق الحكيم وأن الذي سموه طبيعة هو سنة في خلقه جارية على ما أجراها عليه، انتهى. قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في بيان ذلك: والذي صار سببا لذهولهم أن الله تعالى أجرى عادته بأن يخلق الأشياء بأسبابها، فذهبوا إلى استقلال تلك الأسباب في ذلك، انتهى. وهذه الأسباب هي التي تسمى في اصطلاح الحكماء معدات ويحصل بها للشيء الإمكان الاستعدادي السابق على وجود الحادثات الزمانية فيستعد البذر لقبول صورة النبات بأسباب هي الماء والأرض والسماء الحرارة والنور وغير ذلك، وقال العلامة المجلسي (رحمه الله) أيضا: يعلم بعد الاعتبار والتفكر أن الكل مستند إلى قدرته وتأثيره تعالى وإنما هذه الأشياء وسائل وشرائط لذلك. ثم أنه - رحمه الله - أنكر في بعض المواضع الإمكان الاستعدادي وإن اثبته هنا، وله وجه ليس هاهنا موضع ذكره. (ش) 3 - قوله: «على وجود محرك أول غير متحرك» لا ريب أن الجسم يتحرك في الجملة وصفات الأجسام وأفعالها إما أن تكون ذاتية طبيعية وتكون علة ثبوتها لها ذات الأجسام كالبرودة والميعان للماء، والحرارة للنار وإما أن تكون غير طبيعية لا بد أن تكون لها علة من خارج ولا ريب أن الحركة من حيث هي حركة ليست ذاتية طبيعية بحيث تكون ذات الجسم يقتضيها بالذات بل الحركة دائما للوصول إلى غرض وغاية إذا وصل الجسم إليه سكن ومعنى كون الحركة طبيعية في بعض الأجسام أن له غاية يتوخى الوصول إليها بالطبع فيتحرك لتحصيل تلك الغاية ولا يعقل أن يكون الحركة كمالا أولا بحيث تكون هي بنفسها غاية ومقصودة; لأن نيل المقصود يقتضي السكون والقرار لا الانتقال والفرار والغاية لكل شيء الذي ينتهي إليه الحركات هو الله تعالى وهو المحرك غير المتحرك، منه المبدأ وإليه المصير. والحركة الذاتية بغير ذلك من الآيات. فإن قيل: غاية الحركة في الجسم تحصيل الحالة الطبيعية كما أشرت إليه ولا يجب أن ينتهى إلى المبدأ الأول فالماء مثلا إذا سخن بالقسر ثم خلى وطبعه تحرك إلى البرودة فإذا حصلت سكن لأنه وصل إلى غايته.
قلت: كل شيء خلق على صفاته الطبيعية ولو لم يكن قاسر يخرج شيئا عما هو عليه طبعا لسكن العالم بأسره وبجميع أجزائه على حالة واحدة ولم يحدث شيء موجود ولم يفن شيء موجود ولكن هنا قاسرا لكل شيء يخرجه عن مقتضى طباعه فننقل الكلام إلى ذلك القاسر وتحريكه وغايته في التحريك فلا بد أن ينتهى إلى قاسر ثان يحرك القاسر الأول فإن كان هو أيضا متحركا احتيج إلى قاسر ثالث فإن كان غير متحرك ثبت المبدأ المحرك غير المتحرك، وهو المطلوب لبطلان التسلسل. وإن كان متحركا احتاج إلى محرك غير طبيعة وهكذا. (ش)
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»
الفهرست