شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٠٩
الاستقرار أشار إلى نفي إرادة ذلك بسلب لازمه الذي هو الزوال من حال إلى حال والانتقال من وضع إلى وضع; لأن كل مستقر على شيء شأنه جواز اتصافه بذلك للتنبيه على أن المراد به معنى آخر يجوز في حقه تعالى وهو الاستعلاء والاستيلاء والغلبة، وإطلاقه على هذا المعنى أيضا شايع في العرف واللغة.
(والمتعالي عن الخلق) بالشرف والعلية والتنزه عن صفاتهم، ولما كان الوهم يتسارع إلى أن ما استعلى على الشيء كان فوقه إما بتباعد وتراخي مسافة بينهما كالفلك التاسع بالنسبة إلى الأرض أو بمماسة والتصاق بلا تراخي مسافة كالماء بالنسبة إليها أشار إلى دفع ذلك تأكيدا لرد الأحكام الوهمية بقوله (بلا تباعد منهم ولا ملامسة منه لهم); لأن علوه تعالى ليس علوا مكانيا بل علوا معنويا كما ذكرناه، والتباعد والتماس إنما يكونان في العلو المكاني فهذا قرينة لحمل التعالي على غير ما يتناوله الوهم (ليس له حد ينتهي إلى حده); لأن حد الشيء في اللغة منتهاه كحد الدار ونحوها وفي العرف ما يشرح حقيقة ذاته وما له من كمال صفاته وليس له سبحانه شيء منهما، أما الأول فلأنه من لواحق الامتداد وليس له سبحانه طبيعة امتدادية وأما الثاني فلأنه مؤلف من كثرة معتبرة في الحدود وهو سبحانه منزه عن الكثرة من جميع الوجوه (ولا له مثل فيعرف بمثله) لتقدسه عن المماثل وفيه تنزيه عن التشبيه والتنظير، ولعل السر في إيراد الفاء هنا دون السابق هو الإشعار بأن المثل منفي على الإطلاق دون الحد فإن له حدا بمعنى تميزه عن غيره بوصفه بما يليق به وعدم وصفه بما يليق بخلقه إلا أن جواز إطلاق الحد على ذلك محل كلام (ذل من تجبر غيره وصغر من تكبر دونه) غيره ودونه حالان عن فاعل تجبر وتكبر والضمير فيهما عايد إليه سبحانه يعني كل من تجبر وتكبر غير الله تعالى على خلقه بشيء ما مثل النسب والحسب والجاه والمال وحسن الهيئة والجمال أو لا بشيء فهو ذليل صغير حقير عنده تعالى وعند الصالحين من عباده بل عند الفاسقين أيضا في الدنيا والآخرة; لأن العظمة والكبرياء من أخص صفاته تعالى ومن نازعه في صفاته فهو بزعمه شريك له ولا شيء أذل وأصغر ممن يدعي أنه شريك الباري.
(وتواضعت الأشياء لعظمته); لأن كل شيء من الموجودات وكل ذرة من الممكنات متواضع لديه موضوع على بساط العجز والافتقار بين يديه وما ذلك إلا لملاحظة عظمته المطلقة التي عجزت العقول عن الإحاطة بها، ومن أنكرها بقلبه ولسانه فمع تواضع ساير جوارحه وأركانه يتواضع بهما عند نزول المصائب وظهور الموت وقيام الساعة التي هي محل الندامة ولكن لا ينفعه ذلك (وانقادت لسلطانه وعزته); لأن كل شيء من المصنوعات وكل نوع من المخلوقات منقاد لقضائه وقدرته وحكمه وتقديره ومنساق على نحو إيجاده وإبقائه وإفنائه وتدبيره فيجيء على نحو ما أراد له من
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»
الفهرست