كنسبته إلى زيد وإبصاره لشيء آخر، ويحتمل أن يكون لفظة «بعد» بضم الباء ويكون اسم «يكون».
والحايل حينئذ بمعنى الحاجز، يعني لا تدركه الأبصار لأنها لو أدركته كان بعد انتقال الأبصار إليه مانعا من رؤيته; لأن من شرايط الرؤية هو القرب المتوسط واللازم باطل; لأن ذلك شأن ذوات الأحياز التي يتصور فيها القرب والبعد بحسب المسافة، وقدس الحق منزه عن ذلك (الذي ليست في أوليته نهاية ولا لآخريته حد ولا غاية) إذ العدم لا يسبق الوجود الأزلي ولا يلحقه.
(الذي لم يسبقه وقت ولم يتقدمه زمان) الوقت جزء الزمان، ولما كان جل شأنه خالق الوقت والزمان وجب أن يتقدمهما فلا يتصور تقدمهما عليه.
(ولم يتعاوره) أي لم يأخذه على سبيل التبادل والتناوب (زيادة ولا نقصان) لأنهما من لوازم الكم والكميات (ولا يوصف بأين ولا بم ولا مكان) أي لا يوصف بالحصول في الأين ولعل المراد بالأين الجهة دون المكان لئلا يلزم التكرار، وصح إطلاق الأين على الجهة لكمال المناسبة بينهما في أنهما مقصد للمتحرك الأول باعتبار الحصول فيه والثاني باعتبار الوصول إليه والقرب منه، وكذا لا يوصف بما هو; لأن وصفه به يستلزم وصفه بأنه يمكن معرفة كنه حقيقته; لأن «ما هو» سؤال عن كنه الحقيقة، وكذا لا يوصف بالكون في المكان لاستحالة افتقاره إلى المكان.
(الذي بطن من خفيات الأمور) أي أدرك الباطن من خفيات الأمور يعني نفذ علمه في بواطنها لأنه عالم السر والخفيات، ويحتمل أن يكون المراد أنه باطن خفي داخل في جملة خفيات الأمور ولما كانت بواطنها أخفى من ظواهرها كان المفهوم من كونه بطن منها أنه أخفي منها عند العقول وغيرها من القوى المدركة، وذلك لأن الإدراك إما حسى وإما عقلي، ولما كان عز وجل مقدسا عن الجسمية منزها عن الوضع والجهة استحال أن يدركه شيء من الحواس الظاهرة والباطنة، ولما كان ذاته بريئة عن أنحاء التركيب استحال أن يكون للعقل اطلاع عليها بالكنه فخفاؤه إذن على جميع الإدراكات ظاهر وكونه أخفى الأمور الخفية واضح.
(وظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير) إذ بآيات قدرته وتدبيره وعلامات صنعته وتقديره تجلت ذاته في عقول العارفين (1) وظهرت صفاته في صدور العالمين، وقد حث