شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٠٦
يستدلون من ذلك على وجود مبدأ أول.
(الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا ببعض) لامتناعهما في حقه، أما الحد فلأنه ليس له حقيقة مركبة من الذاتيات ولا امتداد منته إلى النهايات، وأما البعض فلأنه ليس له أبعاض لاستحالة التجزية والتكثر على جناب القدس (بل وصفته بفعاله ودلت عليه بآياته) فإنهم أرشدوا العقول الناقصة إلى الشهادة بوجوده بالنظر في أفعاله العجيبة وآياته الغريبة والتأمل في آثار قدرته وأطوار صنعته والتفكر في لطايف تدبيره وطرائف تقديره وبينوا أن كل ما تصورته النفوس من الصور العقلية وأدركته الحواس من الصور الحسية وجب تنزيهه تعالى عنه، وأن الواجب هو الإذعان بوجوده إذعانا بريئا من المواد وعلايقها مجردا عن مدركات الحواس ولواحقها من الأين والوضع والجهة والمقدار وغير ذلك من لواحق الممكنات وخواص المصنوعات.
(لا يستطيع عقول المتفكرين جحده; لأن من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن وهو الصانع لهن فلا مدفع لقدرته); لأن هذه المصنوعات آيات ظاهرة على وجوده وحكمته وعلامات باهرة على علمه وقدرته لكن ظهورها للعقول يتفاوت بحسب تفاوت مراتب الاستعداد والتفكر على درجات متباعدة ومنازل متفاوتة ومن جحده فإنما جحده لعدم تفكره في ذواتها وسوء تدبره في صفاتها التي كلها شواهد صدق على وجوده ووحدته في الربوبية وتفرده في الإلهية وتنزهه عن صفات المخلوقين وتقدسه عن سمات المصنوعين مع إقرار العقل بدون معارضة الوهم بالتصديق له حتى إن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله. ولذلك إذا وقعوا في مصيبة ودخلوا في بلية كالغرق ونحوه لم يجدوا ملجأ سواه ولم يدعوا إلا إياه.
(الذي نأى من الخلق) أي بعد منهم لعدم مشابهته بهم وعدم إدراكهم له (فلا شيء كمثله) في ذاته وصفاته إذ لا يتصف هو بصفات شيء من الأشياء ولا يتصف شيء من الأشياء بصفاته; لأن عالم
(٢٠٦)
مفاتيح البحث: التصديق (1)، الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»
الفهرست