شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٢٠١
الشيء، ولما كان (عليه السلام) معلما لكيفية السلوك إلى الحق وكانت العقول قاصرة عن إدراك حقيقته والأوهام حاكمة بمثليته تعالى لمدركاتها، بدأ بذكر السلب لأنه مستلزم لغسل درن الحكم الوهمي في حقه تعالى عن لوح الخيال حتى إذا ورد ذكره تعالى بما هو أهله ورد على ألواح صافية من كدر الباطل فانتقش كما قيل «فصادف قلبا خاليا فتمكنا».
(ولا تنقضي عجايبه) التي كلما تأملها الإنسان وأجال فيه البصر يجد من كمال قدرته وآثار حكمته فوق ما وجده في بادي النظر (لأنه كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن) الشأن: الأمر والحال وهو سبحانه في كل زمان من الأزمان يحدث في عالم الإمكان على وفق الحكمة والقضاء الأزلي ما هو محل العجب العجيب الذي يحار فيه أبصار البصاير من أفعال غريبة وأشخاص جديدة وأحوال بديعة لم يكن شيء منها قبل ذلك. قال القاضي: وفي الحديث من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين وهو رد لقول اليهود إن الله لا يقضي يوم السبت شيئا، انتهى. أقول: وهو أيضا رد على من ذهب أنه تعالى خلق الموجودات دفعة واحدة على ما عليه الآن معادن ونباتا وحيوانا وإنسانا ولم يتقدم خلق آدم (عليه السلام) على خلق أولاده والتقدم والتأخر إنما يقع في ظهورها لا في حدوثها (1) وهذا المذهب مأخوذ من (2) أصحاب الكمون والظهور من جملة الفلاسفة كما أشار إليه

1 - «في ظهورها لا في حدوثها» ظاهر هذا الكلام غير معقول، اللهم إلا أن يرجعوا إلى ما قالوا في الفرق بين الدهر والزمان وأن الأمور المترتبة في الزمان مجتمعة في الدهر وربما يمثل ذلك بخيط ملون بألوان مختلفة تمشي عليه نملة ترى كل لون إذا حاذاها، وأما الإنسان فيرى جميع الألوان دفعة واحدة، ولما كان واجب الوجود علة العلل ووجود كل موجود إنما هو بإضافته الإشراقية والرابطة التي بينه تعالى وبين المعلول أقوى وأشد من كل رابطة، وقلنا إن رابطة النور تقتضي رؤية الإنسان شيئا مضى وتموجات الهواء تقتضي سماعنا لأصوات مضت، فلم يستبعد أن يرى الله ويسمع ويحيط بقدرته على جميع ما مضى وما سيأتي دفعة واحدة وليس معنى اجتماع المترتبات في الدهر نفى الزمان عنها ولا عدم الترتب بينها ومعيتها في الزمان بل معيتها واجتماعها في علم الباري وحضورها عنده دفعة واحدة وقدرته عليها جميعا. (ش) 2 - قوله: «وهذا المذهب مأخوذ» أصحاب الكمون والبروز طائفة من قدماء فلاسفة اليونان أورد الشيخ في الشفا مذهبهم وزيفه في الفصل الرابع من الفن الثالث من الطبيعيات وحاصل مذهبهم أن ما نرى من استحالة العناصر بعضها إلى بعض كالهواء يتبدل نارا مثلا ليس استحالة بالحقيقة إذ لا يجوز تغير ماهية شيء إلى غيرها فلا يصير شيء شيئا أصلا فما خلق في أول وجوده مثلا حديدا أو نحاسا أو كبريتا أو غيرها فهو يبقى على ما هيته وصورته النوعية أزلا وأبدا إلا أن في كل منها سائر الأشياء كامنة فالنار كامنة في الهواء ومخلوقة فيه غير ظاهرة وإنما يظهر بالاشتعال، وشاركهم أهل عصرنا في قولهم بعدم استحالة العناصر ولكن يخالفونهم في أن المواليد بالتراكيب والأمزجة لا بالبروز فكل حادث عندهم بتركيب ومزاج أو بتحليل ولا يستحيل شيء آخر إلا بزيادة عنصر فيه أو نقص، ولا حاجة فعلا إلى نقل مذهبهم ولا فائدة فيه. (ش)
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»
الفهرست