شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٣٧
فليس له ابتداء ولا انتهاء ولا فناء، والنفي راجع إلى القيد وإلا فهو الأول المطلق الذي لا شيء قبله، والآخر المطلق الذي لا شيء بعده، والغاية لكل شيء باعتبار أن مصاير الخلائق وعواقب الأمور إليه، فهو غاية مطالب السائرين ونهاية مقاصد الطالبين وهو الباقي بعد كل شيء، في وجوده الحق وكماله المطلق (سبحانه هو كما وصف نفسه) في القرآن الكريم وحين كان ولم يكن معه شيء لا كما وصف الظالمون المكذبون (والواصفون لا يبلغون نعته) وإن بالغوا; لأن عقول المقربين ونفوس المقدسين عاجزة عن إدراك كنه ذاته وحقيقة صفاته:
سبحان من تحير في ذاته سواه * فهم خرد بكنه كمالش نبرده راه از ما قياس ساحت قدسش بود * جنانك مورى كند مساحت گردون زقعر چاه (وحد الأشياء كلها عند خلقه (1) إبانة لها من شبهه وإبانة له من شبهها) لعل المراد أنه ميز الأشياء عند خلقه لها في الأصول والمقادير والصور والأشكال والهيئات والصفات والأمزجة والأخلاق وغيرها إبانة لها من أن تشبهه تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله، وإبانة له تعالى من أن يشبهها في شيء من ذلك; لظهور أن جميع ذلك من فيض الوجود الحق وجعل الجاعل المطلق فلو وقع بينهما تشابه في شيء منه لزم افتقاره تعالى إلى جعل جاعل وإفاضة مفيض، وساحة قدسه منزهة عن ذلك، والمراد أنه جعل للأشياء حدودا ونهايات أو ذاتيات هي محدودة ومعلومة بها ليعلم أنه تعالى لا يشبهها في ذلك لأنه لا يحد ولا يجري عليه صفات المصنوعات المحدودة بأحد الوجهين والله أعلم (لم يحلل فيها) أصلا لا على الجزئية ولا على الوصفية ولا على التمكن والتحيز (فيقال هو فيها كائن) (2) هذا بمنزلة قياس استثنائي تقريره إن حل فيها جاز أن يقال هو فيها كائن والتالي باطل

1 - قوله: «وحد الأشياء كلها عند خلقه» كل شيء سوى الله له ماهية، والله تعالى وجود صرف لا ماهية له، وهذا هو الفارق بين الممكن والواجب كما قال الرئيس: كل ممكن زوج تركيبي له ماهية ووجود، وهذا عبارة أخرى عن كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) «حد الأشياء كلها». وقوله (عليه السلام) «إبانة لها من شبهه» يدل على أن عدم الحد والمهية له تعالى لعدم كونه شبيها ببعض الأشياء إذ لها حد. فإن قيل: كيف يكون الماهية حدا، قلنا: لأنك إذا نظرت إلى شيء من الممكنات كالماء وجدته سيالا باردا بالطبع ولا يمكن أن يكون حارا بالطبع كالنار فهو محدود بخاصة متفرعة على طبيعته لا يتجاوزها وطبيعة المائية حدته أي منعته من ترتب آثار موجودات آخر عليه، بخلاف الوجود المطلق الذي يصدر عنه جميع الآثار والخواص ويقدر على جميع الأفعال فإنه غير محدود، ولو كان له ماهية كان محدودا. (ش) 2 - قوله: «فيقال هو فيها كائن» هذا متكرر في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو تعالى ليس حالا في الأشياء ولا خارجا عنها، فإن قيل: هذا يستلزم ارتفاع النقيضين إذ لو لم يكن حالا كان خارجا لا محالة؟ قلنا: الدخول والخروج أو الحلول والبينونة بالمعنى المتبادر إلى الذهن خاص بالأجسام والجسمانيات وهو تعالى ليس جسما فهو خارج عن المقسم، ولا يستلزم قوله ارتفاع النقيضين والعلة المطلقة للوجود والبقاء لا يمكن أن يكون مبائنا عن المعلول بل المعلول لابد أن يكون متعلقا بها بوجه حتى يستلزم فرض عدم العلة عدم المعلوم ولو كان الممكن شيئا موجودا مستقلا بنفسه وعلته مستقلة مباينة عنه لم يعقل احتياج المعلول إليه في البقاء، ومن تعقل أصول صدر المتألهين في الوجود وتشكيكه وأن الممكنات وجودات تعلقية، ربطية، سهل عليه تصور كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأن كان لوحدة الوجود معنى صحيح هو ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا المعنى. (ش)
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»
الفهرست