الخضم الذي لا يصل الغائص إلى قعره كانت الفطنة المتحركة فيها شبيهة بالغائص في البحر فاستعير الغوص لحركات الفطن في عميقات غيوب ملكوته وأسرار عالم الغيب العميقة طالبة لتصورها كما هي والبلوغ إلى كنهها، ويفهم منه استعارة البلوغ لحركات الهمم البعيدة إذ هو حقيقة في لحوق جسم وجسماني بجسم وجسماني آخر، وهاتان الإضافتان في معنى الصفة أي لا يبلغه الهمم البعيدة ولا يناله الفطن الغائصة، ووجه الحسن أن المقصود هو المبالغة في عدم إصابة ذاته وصفاته وأسراره تعالى بالهمة من حيث هي بعيدة وبالفطنة من حيث هي غائصة، فالحيثية مقصودة بالقصد الأول فلذا قدم، فسبحان الذي كل ذي همة بعيدة في أنوار كماله حريق، وكل ذي فطنة غائصة في بحار جلاله غريق (وتعالى الله الذي ليس له وقت معدود ولا أجل ممدود) أي ليس لو جوده زمان متناه ولا زمان غير متناه; لأن موجد الزمان (1) يمتنع تقدير وجوده بالزمان; لأن وجوده لو كان زمانيا لزم تقدم الزمان عليه وإذا لم يكن زمانيا كان غنيا في وجوده عنه (ولا نعت محدود) أي ليس له نعت محدود بحد لغوي وهو النهاية ولا بحد حقيقي وهو المشتمل على الذاتيات أما الأول فلأنه ليس لمطلق ما يعتبر عقولنا من الصفات الكمالية والصفات السلبية والإضافية نهاية معقولة تنتهي عندها، وأما الثاني فلأن نعته تعالى ليس مركبا من الجنس والفصل وإلا لكان حادثا فيلزم نقصه تعالى وكونه محلا للحوادث وكلاهما باطل، ويمكن أن يؤول هذا القول بما يؤول به قولهم «ليس بها ضب ينجحر» أي: ليس بها ضب فينجحر، فيكون المراد أنه ليس له نعت فيحد، وهذا على ما هو الحق من أنه تعالى منزه من كل جهة عن الكثرة بوجه ما، وقد حصل في هذه القرائن الثلاث السجع المتوازي مع نوع من التجنيس (سبحان الذي) ترك العاطف لأنه تأكيد للسابق وتقرير لمضمونه (ليس له أول مبتدأ) بالرفع والتنوين معا أو بالرفع فقط لأنهم اختلفوا في صرفه (ولا غاية منتهى ولا آخر يفنى) لأنه أزلي وأبدي
(١٣٦)