الفرات ونظر إليها بعين الرحمة أربعين صباحا ثم صب عليها الماء المالح الأجاج ونظر إليها بعين الغضب وقد سبقت رحمته غضبه فتركها أربعين صباحا فلما اختمرت الطينة أخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذر من يمينه وشماله على صور ومثال وتحركوا بين يديه على هيئة شبح وظلال فأخذ منهم الميثاق ثم قال: كونوا طينا فصاروا طينا كما كانوا، ثم خلق منه آدم ومن ثم يخرج منه أصحاب اليمين وأصحاب الشمال. وقيل: المراد بنثرهم نثر ماهياتهم وحقايقهم وإنياتهم بين يدي علمه ونطقهم بعد السؤال الراجع إلى مجرد نفاذ القدرة وجريان الإرادة نطقهم بألسنة قابليات جواهرها واستعداد ذواتها (فقال لهم من ربكم فأول من نطق (1) رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة (عليهم السلام) فقالوا أنت ربنا) فهم السابقون الأولون في الإيمان بالله. وقد سئل (صلى الله عليه وآله) بأي شيء سبقت الأنبياء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟ فقال: إني كنت أول من آمن بربي وأول من أجاب حيث أخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ فكنت أول من قال بلى، فسبقتهم بالإقرار بالله عز وجل. والنطق محمول على الحقيقة على ما قلنا وعلى الاستعداد الفطري بلسان طباع الإمكان الذاتي على ما قيل.
وقال القاضي في تفسير قوله تعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست ربكم): إنه أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن ونصب لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم:
(ألست بربكم قالوا بلى) فنزل تمكينهم من العلم وتمكنهم منه منزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التمثيل، وعلى هذين القولين لم يكن هناك سؤال وجواب في الحقيقة والله أعلم.
(فحملهم العلم والدين) إما بانتقالهما من الماء إليهم أو بطريق تحميل المثل من غير انتقال والله أعلم.
(ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة ديني وعلمي وأمنائي في خلقي) لا يزيدون ولا ينقصون ولا يفترون فيما يؤمرون ويحفظون نظام الخلائق وكمالهم وما به يتم أمر معاشهم ومعادهم. والغرض من هذا القول هو الإعلام بعلو منزلتهم والحث على تعظيمهم وتكريمهم والثناء عليهم (وهم المسؤولون) يوم القيامة عن أداء الأمانة وحفظها وطاعة الخلق وعصيانهم فيشهدون لهم وعليهم على وفق ما علموا وشاهدوا منهم.
(ثم قال) الظاهر بلا واسطة (لبني آدم أقروا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالولاية والطاعة) جمع بين