شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٢٢
المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) فقال: هذا دين النصارى، يعني هذا يدل على أنه بعض منه، فأجابه الحسن بن علي الواقد صاحب كتاب النظائر بأن الله تعالى إنما أراد بروح منه أنه من إيجاده وخلقه وأراد بالحصر تعريضا بالنصارى فيما ادعت النبوة والتثليث وباليهود فيما قذفت به مريم (عليها السلام) وأنكرته من رسالته فأسلم النصراني.
* الأصل:
3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن القاسم بن عروة، عن عبد الحميد الطائي، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (ونفخت فيه من روحي) كيف هذا النفخ؟ فقال: إن الروح متحرك كالريح وإنما سمي روحا لأنه اشتق اسمه من الريح وإنما أخرجه عن لفظة الريح; لأن الأرواح مجانسة الريح وإنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح كما قال لبيت من البيوت: بيتي، ولرسول من الرسل: خليلي، وأشباه ذلك، وكل ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبر.
* الشرح:
(محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن القاسم بن عروة، عن عبد الحميد الطائي، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تعالى (ونفخت فيه من روحي) كيف هذا النفخ) أي نفخ الروح والروح ليس بهواء قابلا للحركة والنفخ وإنما يتعلق بهواء; لأن صورته الحقيقة إخراج الهواء من فم النافخ إلى المنفوخ فيه ليشمل فيه النار مثلا وإنما حملنا السؤال على هذا إلا على أنه كيف نسب النفخ إليه سبحانه مع أنه في حقه ممتنع; لدلالة الجواب عليه.
وتحقيق نسبة النفخ إليه على أحد وجهين; أحدهما: أن النافخ جبرائيل (عليه السلام) أو ملك من الملائكة بأمره جل شأنه وإنما نسب إليه اتساعا باعتبار أنه الآمر، وثانيهما: أن النفخ على تقدير أن يكون النافخ هو الله سبحانه استعارة حسية لأنه لما امتنع تحقق صورته الحقيقية وهي الإخراج المذكور فيه وجب صرفه إلى ما يشبهها بأن يقال: لما كان اشتعال نور النفس (1) في فتيلة البدن عن الجود الإلهى المعطي لكل قابل ما يستحقه يشبه بحسب محاكاة خيالنا ما يشاهد من اشتعال النار في المحل القابل لها عن صورة النفخ فلا جرم حسن التجوز والتعبير بالنفخ عن إفاضة الجود الإلهي النفس على البدن لمكان المشابهة المتخيلة وإن كان الأمر أجل مما عندنا (فقال: إن الروح متحرك كالريح) يعني أن الروح متحرك سريعا في جميع أجزاء البدن (2) ويجري

1 - قوله: «لما كان اشتعال نور» مقتبس من صدر المتألهين (قدس سره). (ش) 2 - قوله: «يعني أن الروح متحرك سريعا في جميع أجزاء البدن» حمله الشارح تبعا لصدر المتألهين (قده) على الروح الحيواني أي البخار الصافي الجاري في العروق على ما كان عليه الأطباء قديما وينكره أطباء عصرنا وهو غير النفس الناطقة المجردة بل هو شيء من أجزاء بدن الحيوان، والدليل على وجوده ما ذكر من أن الحي مغاير للميت في الخواص الجسمانية، ومما يدل على وجوده وإن لم يثبت كونه بخارا أن التجربة دلت على وجود قوة سيالة في أعصاب الحس والحركة نظير القوة الكهربائية فإذا انفعل بعض أعضاء بدن الإنسان من صدمة أو حرارة أو برودة أو لمس شيء انتقل الأثر منه إلى الأعصاب وينتهى إلى الدماغ فيدرك فيأمر الدماغ الأعصاب المحركة بالتقلص والتجنب ويصل أمره بواسطة الأعصاب إلى العضو المتأثر فيتقلص وقد وفق أصحاب التجارب من أهل عصرنا بآلاتهم الدقيقة لتقدير الزمان الفاصل بين التأثر والإدراك والتقلص وكان القدماء يسمون مثل هذه القوة السيالة الناقلة روحا نفسانيا، وأيضا إذا دار الإنسان على نفسه سريعا عرض عليه دوار فيسقط على الأرض ويرى كأن الأشياء حوله تدور عليه وليس تلك الحركة والدوران في الأشياء ولا في أحد أعضائه بل للروح الذي في دماغه فإنه إذا دار على نفسه دار الروح في دماغه فإذا سكن سكنت جوارحه ودماغه وبقي الروح متحركا مدة كإناء فيه ماء إذا أدرته سريعا ثم أسكنته دفعة بقي الماء دائرا بعد سكون الإناء هنيهة.
ومما يدل على وجود الروح أيضا أن الإنسان إذا غضب توجه الروح بالدم إلى ظاهره للدفاع وتغير مزاج الدم واحمر الوجه والعين وإذا خاف فر الروح إلى الباطن واصفر اللون وليس الدم مما يقتضي بنفسه هذه الحركات وأيضا يتوجه الروح إلى الضياء ويهيج وينجذب إليه ويسكن في الظلمة ولذلك النوم في الظلمة أسرع وأهنأ ولا يمكن نسبة ذلك إلى الدم. وبالجملة الاستدلال على وجود الروح من تتبع آثاره كالاستدلال على وجود الريح بتحريكها الأشجار وإثارة الغبار وأمثال ذلك. وأطباء عصرنا على نفي وجود الروح الحيواني وعمدتهم عدم وجدانهم في تجزية أعضاء البدن وعناصره شيئا غير هذه الأمور المعلومة من الدم واللحم والعظم وأجزائها ولكن ليس البحث تجربيا محضا وماديا صرفا حتى نسلم لأهل العمل ونصدقهم في تجربتهم بل هو بحث فلسفي طبي عقلي يحتج عليه بالمقدمات الحكمية مع التجربة ولم يقع تجارب أطباء عصرنا إلا على الأعضاء الميتة، والدم إذا خرج من البدن وبقي مدة فهو ميت وكذلك اللحم والعظم والعصب والعروق المنفصلة عن بدن الحي أموات تحلل الروح الحيواني منها ولم يبق فيها شئ منه بالاتفاق، والكلام في وجود هذا الروح في الأحياء لا في الأموات، وتجاربهم قاصرة على المواد، ولافرق في المادة بين الحي والميت، ونحن ننسب جميع الخواص إلى الصورة النوعية لا إلى المادة والروح الحيواني من الصورة النوعية كما يقولون الماء مركب من الهيدروجين والأوكسجين وليس الممزوج من هذين العنصرين ماء ولا يظهر منه خواص الماء إلا بعد حصول الصورة المائية والسكر مركب من الفحم والماء بنسبة معينة ولا يترتب على الممزوج منهما أثر السكر ولا طعمه إلا بتعلق الصورة النوعية السكرية ويحتمل كون الروح قوة نظيرة الكهرباء حاصلة من تركيب بعض الأجسام مع بعض وإن لم نر تصريحا به من القدماء، وبالجملة فإنكار أصل وجود الروح غير موجه وإن شكك في ماهيته وهذا الحديث أيضا على وجوده صريحا إذ لا يحتمل حمل الروح فيه على النفس الناطقة بل هو الروح الحيواني كما صرح به صدر المتألهين قده. (ش)
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»
الفهرست