شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١١٨
الإقرارين للتنبيه على أن بينهما تلازما وأن أحدهما لا ينفع بدون الآخر (فقالوا: نعم ربنا أقررنا) الظاهر أنهم قالوا ذلك بلسان المقال لا بمجرد لسان الحال أجمعين، فيفيد عموم الإقرار ووجوده في جميع الخلق، وهذا ينافي ما يجيء في باب طينة المؤمن والكافر عن أبي جعفر (عليه السلام) «أن الله تعالى دعاهم عند أخذ الميثاق إلى الإقرار بالنبيين، فأقر بعضهم وأنكر بعضهم ثم دعاهم إلى ولايتنا فأقر بها لله من أحب وأنكرها من أبغض» وقوله: (وما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل) ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) «كان التكذيب ثم» ويمكن رفع المنافاة بحمل الإقرار هنا على التخصيص كما يقتضيه القاعدة الأصولية.
(فقال الله للملائكة اشهدوا) على إقرارهم، والإشهاد إنما هو لإجراء الأمور الأخروية على ما يقتضيه الحكمة الإلهية في الأمور الدنيوية من إثبات الحق بالشاهد وإلا فالله سبحانه كان شاهدا وكفى به شهيدا، وإنما أشهد الملائكة دون النبي والأئمة (عليهم السلام) لأن الحق كان لهم فلا بد لهم الشاهد من غيرهم.
(فقالت الملائكة شهدنا على أن لا يقولوا غدا) أي يوم القيامة عند مشاهدة سوء العاقبة ووخامة الإنكار (إنا كنا عن هذا غافلين) لم نسمعه ولم ينبهنا به أحد (أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم) فأتبعنا آثارهم واقتفينا أطوارهم، وفي بعض النسخ: «وكنا ذرية ضعفاء من بعدهم» (أفتهلكنا بما فعل المبطلون) أي بما فعل آباؤنا وأسس كبراؤنا من قوانين الشرك والضلال وأتبعناهم تقليدا للظن بأنهم كانوا على الحق وفيه قطع لعذرهم وذم لتقليدهم فإنه - تعالى شأنه - إذا أخذ الميثاق منهم أولا وأعطاهم العقل الفارق بين الحق والباطل ثانيا، وأرسل إليهم الرسول ثالثا، ونصب لهم دلائل التوحيد رابعا، وذكرهم بالميثاق خامسا لم يبق لهم معذرة في الشرك تقليدا للآباء والكبراء ولا حجة في ترك التمسك بذيل الهداة والأمناء (يا داود ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق) حين بعثهم في الظلال وأخرجهم على هيئة الصور والمثال ثم نسيها من نسيها لتوغله في ظلمة الطبائع البشرية، أو أنكرها من أنكرها لميله إلى الرياسة الظاهرة الفانية فأنكر العهد المأخوذ عليهم باطنا والنص النبوي المؤكد له ظاهرا.
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»
الفهرست