شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٧٩
سمي ذوقا وفي الجسد سمي حسا واختصاص خلقه بهذه المحال إنما بحكم العادة ويجوز أن تنخرق العادة فيخلق الإبصار في اليد، وأنت تعلم أن بناء هذا الكلام على نفي الأسباب مطلقا وقد تبين بطلانه في موضعه وأنه لا ينفعه هذه المزخرفات لأن الإبصار العيني في أي عضو خلق لا بد له من مشار إليه بالإشارة الحسية إما بالذات أو بالعرض وكل مشار إليه كذلك إما جسم أو حال كما تشهد به دفاتر الحكماء وعقول العلماء، فلو تعلقت به الرؤية لحق به التشبيه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
* الأصل:
5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن عبد الله بن سنان، عن أبيه، قال: حضرت أبا جعفر (عليه السلام) فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له: يا أبا جعفر أي شيء تعبد؟ قال: الله تعالى، قال: رأيته؟ قال: بلى لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يعرف بالقياس ولا يدرك بالحواس ولا يشبه بالناس، موصوف بالآيات، معروف بالعلامات، لا يجور في حكمه، ذلك الله لا إله إلا هو. قال: فخرج الرجل وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته.
* الشرح:
(علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن عبد الله بن سنان، عن أبيه قال: حضرت أبا جعفر (عليه السلام) فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له: يا أبا جعفر أي شيء تعبد؟ قال: الله تعالى) أي الله أعبد أو أعبد الله فحذف الفعل بقرينة السؤال.
(قال رأيته قال: بلى) قال المازري: صح الجواب ببلي في غير النفي وجاز الإقرار بها في الإثبات ومن شرط النفي وقال: لا يجوز الجواب بها إلا بعده يقدره في أمثال هذا الكلام أي ما رأيته، ولما كان مظنه أن يقول السائل: وكيف رأيته أجاب عنه بقوله (لم تره العيون بمشاهدة الأبصار) قيل:
الإبصار بالكسر على المصدر في مقابلة الإيمان لا بالفتح على الجميع في مقابلة القلوب، وفي كتاب التوحيد للصدوق (رحمه الله) «بمشاهدة العيان» مكان «بمشاهدة الأبصار».
(ولكن رأته القلوب بحقايق الإيمان) هذا تنزيله له تعالى عن الرؤية بحاسة البصر وشرح لكيفية الرؤية الممكنة له تعالى ولما كان تعالى شأنه منزها عن الجسمية ولواحقها من الجهات والكيفيات وتوجيه الحدقة إليه وإدراكه بها وإنما يرى ويدرك بحسب ما يمكن لبصيرة العقل لا جرم نزهه عن تلك وأثبت له هذه، وأراد بحقايق الأيمان أركانه وهي التصديق بوجوده وتوحده وأسمائه الحسنى وسائر صفاته الثبوتية والسلبية وقد أشار إلى جملة منها بقوله (لا يعرف بالقياس) على الخلق لانتفاء المشاركة بينه وبينهم في أمر من الأمور (ولا يدرك بالحواس) لأن أقدام تصرفات الحواس لا
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»
الفهرست