شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٧٨
متصلا بالمسبب غير منفك عنه وأن يكون تعليلا لجميع ما ذكر في هذا الدليل، توضيحه أن الهواء المتوسط سبب للرؤية ولكون هذا رائيا من حيث أنه راء وذاك مرئيا من حيث أنه مرئي فوجب اتصاله بهما واتصاله بهما سبب لكون كل واحد منهما واقعا في حيز، وفي طرف منه وموصوفا بالجسمية ولواحقها فوجب اتصال هذا الاتصال بكونهما على هذه الأوصاف، وكونهما على هذه الأوصاف سبب لوقوع المشابهة بينهما فوجب أن يتصل به وتلك المشابهة سبب للتشبيه فوجب اتصالها به كل ذلك لوجوب اتصال الأسباب بالمسببات واقترانها معها وعدم انفكاكها عنها.
والأشعرية يقولون: الرؤية ليست بأشعة ولا انطباع وليس لها سبب (1) ولا شرط سوى حياة الرائي ووجود المرئي وإنما هي إدراك والإدراك معنى يخلقه الله تعالى في المدرك فإن خلق في جزء من العين سمي إبصارا وفي جزء من القلب سمي علما وفي جزء من الاذن سمي سمعا وفي اللسان

١ - قوله «وليس لها سبب» هذا أصل من أصول الأشاعرة زعموا أنه الديانة والتوحيد والحق أن العوام وأكثر الخواص والعلماء الذين لا إلمام لهم بأصول الدين كثيرا ما يستحسنون رأي الأشاعرة وقد رأينا جماعة كثيرة منهم ينكرون التسبيب. وحاصل مرامهم أنه ليس شيء سببا لشيء إلا النار سبب للإحراق ولا الشمس للإضاءة ولا الماء لرفع العطش ولا غير ذلك بل الله تعالى يخلق بالإرادة الجزافية الإحراق عند وجود النار إن أراد ويخلق الضوء عند طلوع الشمس وهكذا من غير تأثير لشيء ودعاهم إلى ذلك زعمهم أن إثبات الأسباب استغناء عن الواجب تعالى وإنكار لمعجزات الأنبياء وأوهام باطلة مثل ذلك وكلام الإمام (عليه السلام) صريح في الرد عليهم ولو كان ما زعموه حقا لزم سلب الاطمينان عن الناس في معاشهم ومعادهم وعقولهم وعلومهم مثلا سبب الإنبات والزرع والسقي والمطر والشمس والرياح ولو جاز التخلف لم يقدم أحد على الزراعة في معرض الشمس والرياح ولم يعبد أحد ربه إذ لعل العبادة لا تكون سببا لتهذيب النفس المنجي في المعاد ولعل المعاصي لا تكون سببا للعقاب، ولم يطمئن الأطباء والمنجمون وأصحاب الصنائع بما يدلهم عليه أدلة علومهم فلم يعلم الطبيب أسباب المرض وأسباب العلاج إذ جاز التخلف دائما كما يدعيه الأشاعرة، وبالجملة فلا يجوز تخلف المسببات عن الأسباب ويأبى الله إلا أن تجري الأمور بأسبابها، وأما المعجزات والكرامات فليست بغير سبب بل بسبب لا يتفق إلا بدعاء نبي أو ولي وهمة إنسان إلهي ولا يستغنى بالأسباب عن الله تعالى إذ الأسباب الطبيعية معدات كما يستفاد من أمثال قوله تعالى (أرسل الرياح فتثير سحابا) (وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم) فنسب إثارة السحاب وإنبات الزرع إليه تعالى وإلى المطر والرياح أيضا بالتسبيب وتفصيل الكلام في كتب الكلام وأبان ذلك كل البيان القاضي في أوائل إحقاق الحق فراجع.
واعلم أن الظاهريين من أصحاب الحديث والحشوية وإن كانوا ينكرون الأسباب المعروفة لكن ما كانوا ينكرون أصل التسبيب وحكى عنهم السيد المرتضى الرازي عليه الرحمة أن الرعد صوت ملك والبرق وقع مقرعة الملك يزجر بها السحاب وينكرون تسبيب الرياح كما في القرآن وليس ذلك إنكار التسبيب كما هو رأي الأشاعرة بل إثبات سبب وإنكار سبب آخر كما يقال بمثل ذلك في الزلزلة والمطر والصواعق وغيرها وللتفصيل محل آخر ولعلنا نوفق له في الروضة إن شاء الله تعالى (ش).
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»
الفهرست