شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٧٦
ويرجعوا عن اعتقادهم، والجواب عما نقل عن ابن عباس أنه ليس صريحا في الرؤية العينية لجواز أن يكون المراد بالرؤية التي اختصت به (صلى الله عليه وآله وسلم) الرؤية القلبية يعني الإدراك العلمي على الوجه الكمال، وقد نقلنا سابقا من طريقهم عن ابن عباس أنه قال: «رآه بقلبه» وعما نقل عن الحسن أنه إن كان قول الحسن من عند نفسه فليس حجة وإن كان من ظاهر الآيات والروايات فكذلك لأن فهمه ليس حجة على غيره، والظاهر قد لا يعمل به، والجواب عن وقوع الرؤية في الآخرة إن كثيرا من الآيات والروايات مأولة عن ظاهرها اتفاقا مثل ما وقع في القرآن من قوله تعالى (ومكر الله) (الله يستهزيء بهم) وما وقع في رواياتكم عن أبي هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «إن من العبيد يوم القيمة يدعو الله تعالى حتى يضحك الله تبارك وتعالى فإذا ضحك منه قال: أدخله الجنة (1)» وعن ابن مسعود أن بعض أهل النار حين خرج منها ووصل إلى باب الجنة يقول «أي رب أدخلنيها، فيقول يا ابن آدم أيرضيك أن اعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب أتستهزىء مني وأنت رب العالمين (2)» وأمثال ذلك كثيرة وأنتم قد أولتم المكر والضحك والاستهزاء بالجزاء والرضا والخذلان، فإذا جاز التأويل فكيف تتمسكون بالظواهر في الأمور العقلية وتجزمون عليها.
(فكتب لا يجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر) (3) أي هواء شاف ينفذ فيه شعاع البصر ويتصل بالمرئي وهذا دل بحسب الظاهر على مذهب الرياضيين القائلين بأن الإبصار بخروج الشعاع لا على مذهب طايفة من الحكماء القائلين بأن الإبصار باعتبار أن المشف الذي بين البصر والمرئي يتكيف بكيفية الشعاع الذي في البصر ويصير بذلك آلة للإبصار ولا على

1 - راجع الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 291.
2 - رواه أحمد في مسنده ج 1 ص 377 بنحوه.
3 - قوله، هواء ينفذه البصر الهواء في لغة العرب هو الخلاء العرفي قال الله تعالى (وأفئدتهم هواء) أي خالية من العقل والتدبر، وقال جرير «ومجاشع قصب هوت أجوافه» أي خلت أجوافه. وفي الصحاح: كل خال هواء.
وهذا هو المراد هنا لا الهواء المصطلح للطبيعين وهو جسم رقيم شفاف كما حمله عليه صدر المتألهين (قدس سره) وهذا الهواء الذي هو جسم رقيق عند العرف بمنزلة العدم والحاصل أن لا بد للرؤية من فاصلة بين الرائي والمرئي ويتحقق الفاصلة بعدم وجود جسم كثيف والأجسام الفلكية غير مانعة للرؤية لأنها أشف وأرق من هذا الهواء المكتنف للأرض فهي بمنزلة الهواء. فيكون الهواء في لغة العرب أقرب من البعد المفطور الذي يقول به بعض الفلاسفة وهذا النوع من الاستدلال من الإمام (عليه السلام) غير معهود من علماء الشريعة من العامة في ذلك الزمان بل المعهود منهم الوقوف على مفاهيم الروايات فالمثبت للرؤية أو المنكر لها لم يتمسك إلا برواية ابن عباس وأبي هريرة أو برواية عايشة ولكن أئمتنا (عليهم السلام) فتحوا باب الاستدلال العقلي على الربوبيات وحاصل الدليل أن الأبصار لا يمكن إلا بهواء فاصل بين المرئي والرائي فلا بد أن يكون المرئي طرفا لمسافة فهو ذو جهة وكل ذي جهة جسم. (ش)
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»
الفهرست