شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٨٣
أقول: ويقرب من ذلك قول من قال: الكرسي يطلق على الفلك الثامن لأنه وعاء السماوات السبع وما فيهن وما بينهن وما تحتهن والعرش يطلق على الفلك الأقصى وهما يطلقان أيضا على العلم مجازا تسمية للشيء باسم مكانه لأنهما مكان لعلم العالم القاعدة عليهما ولذلك يسمى العالم أيضا كرسيا (1).
ويدل على المعنى الأول ما روي من طرقنا «إن الكرسي عند العرش كحلقة في فلاة» (2) ومن طرق العامة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «ما السماوات السبع مع الكرسي عند العرش إلا كحلقة في فلاة،

1 - قوله «يسمى العالم أيضا كرسيا». هكذا قال المفسرون واستشهدوا بقول الشاعر:
تحف بهم بيض الوجوه وعصبة * كراسي بالأحداث حين تنوب أي علماء بالوقائع. (ش) 2 - قوله «إن الكرسي عند العرش كحلقة في فلاة» بناء على أن الكرسي وعاء العالم الجسماني على ما ذكره الصدوق (رحمه الله) يكون العرش وعاء لغير هذا العالم فالكرسي حد العالم الجسماني والعرش حد عالم من العوالم المجردة.
وإن كان الكرسي بمعنى العلم فهو من العوالم المجردة أيضا إلا أن الكرسي أقرب إلى العالم الجسماني من العرش كما أن العرش أقرب من الحجاب والحجاب من الستر على ما يستفاد من الحديث ولا ينبغي أن ينكر أو يستبعد تعدد العوالم الروحانية وترتبها ولا عبرة بما يدعيه المشاؤون من انحصار العقول في العشرة بل «لا يعلم جنود ربك إلا هو» وما يقوله الإشراقيون من عدم تناهي العقول ومراتبها أقرب إلى الحق وقد ورد في كثرة الحجب والملائكة الموكلين بها أخبار وذكر الأربعة في هذا الحديث بيان للكلي مثل ما نقول: الأرض سبعة أقاليم، وكل إقليم يشتمل على بلاد ونواح وقرى، وكذلك الحجاب والستر مشتمل على عوالم كثيرة.
إذا تبين ذلك فنقول أما العالم الجسماني فقد ذكر أصحاب الهيئة في سعته وعظمته ما يتحير فيه الأوهام قالوا: إن في هذا الفضاء العظيم ألوفا من الكواكب الثابتة وأقربها إلى الأرض يصل نوره إلينا بعد ثلاث سنين ولو نظر ناظر منه إلى شمسنا وأرضنا لرأى الأرض ملصقة بالشمس كأنهما نقطة واحدة وهذا البعد العظيم بيننا وبين الشمس يصير كان لم يكن لبعده عنا.
ثم أن في هذا العالم كواكب بعيدة يصل نورها إلينا بعد آلاف ألوف من السنين وبناء على كون الكرسي وعاء هذا العالم كم يكون مقدار عظمه ومع ذلك هذا العالم الجسماني بعظمته بالنسبة إلى العالم الروحاني الأقرب كحلقة في فلاة ولعل تقدير نوره إلى نوره بجزء من سبعين للدلالة على الكثرة كقوله تعالى (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) يعني كلما استغفرت.
وشدة نور الوجود في كل عالم بنسبة عظمته، وأضعف الأنوار نور الشمس إذ هو المعلول الأخير وما قبله أشد منه جدا لكونه علة وكذلك قس عليه كل ما في الدنيا بالنسبة إلى ما في الآخرة كنار الدنيا بالنسبة إلى نار الآخرة ونعيم الدنيا بالنسبة إلى نعيم الآخرة فإن النسبة بينهما كتلك النسبة. (ش) والخبر سيأتي في كتاب الروضة تحت رقم 143 في حديث زينب العطارة.
(١٨٣)
مفاتيح البحث: الشيخ الصدوق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»
الفهرست