حال رؤيته في الدنيا وأما رؤيته في الآخرة فجايزة عقلا وأجمع على وقوعها أهل السنة للآيات وتواتر الأحاديث وأحالها المعتزلة والمرجئة والخوارج والفرق بين الدنيا والآخرة أن القوى والإدراكات ضعيفة في الدنيا إذا كانوا في الآخرة وخلقهم للبقاء قوى إدراكهم فأطاقوا رؤيته (1) سبحانه. انتهى كلامه.
الجواب عن الشبهة الاولى أنا لا نسلم أن المعلق عليه هو استقرار الجبل مطلقا فإن الجبل كان مستقرا مشاهدا وقت هذا التعليق بل استقراره حال التجلي وإمكانه حينئذ ممنوع وإثباته أشد من خرط القتاد، وعن الثانية بالمعارضة والحل، أما المعارضة فلأن رؤيته لو كانت جايزة لما عد طلبها أمرا عظيما ولما سماه ظلما أرسل عليهم صاعقة، ولما قال «فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم» ولما سمعوا هذه المعارضة اضطربوا فقالوا إن رؤيته جايزة في الدنيا لا على طريق المقابلة والجهة كما هو المعروف في رؤية الممكنات وممتنعة على هذه الطريقة فدمه وإنكاره بناء على أنه طلبها من هذه الطريقة الممتنعة. وأنت خبير بما في هذا الجواب من الركاكة لأن طلبه للرؤية من هذه الطريقة كيف يصلح أن يكون دليلا على جواز الرؤية من غير هذه الطريقة على أنه يلزم أن يكون النبي المعزز بالتكليم جاهلا بما يجوز عليه سبحانه ويمتنع.
وأما الحل فلأن الأمر في قوله (عليه السلام) «أرني» ليس محمولا على طلب الرؤية لعلمه (عليه السلام) بأنه لا يمكن رؤيته بل على إظهار حاله جل شأنه على الجماعة الحاضرين معه الطالبين لرؤيته تعالى القائلين له (عليه السلام) «أرنا الله جهرة» فقال ذلك القول ليسمعوا قوله تعالى «لن تراني» ويعلموا أنه لا يمكن رؤيته