شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٧٧
مذهب الطبيعيين القائلين بأن الإبصار بانطباع صورة المبصر في الباصرة عند مقابلته لها، ويمكن أن يقال: المراد بنفوذ البصر في الهواء توقفه في الرؤية عليه وتوسله به فينطبق على المذاهب الثلاثة.
(فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي) بحايل أو بكمال القرب أو بغيرهما (لم تصح الرؤية بالضرورة وفي كتاب الاحتجاج «فمتى انقطع الهواء وعدم الضياء لم تصح الرؤية» (وكان في ذلك الاشتباه) أي وكان في توسط الهواء والضياء بين الرائي والمرئي اشتباه كل منهما بالآخر في الاحتياج إلى ذلك المتوسط وفي كونه في جهة وفي طرف منه وعلل ذلك بقوله (لأن: الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه (1)) المراد بالسبب الموجب للرؤية الواقع بينهما هو الهواء المتوسط وكون كل واحد منهما واقعا في طرفه مقابلا للآخر ومتى ساوى الرائي من حيث أنه راء المرئي من حيث أنه مرئي في ذلك السبب ثبت مشابهة المرئي بالرائي.
(وكان ذلك التشبيه) اسم كان - وهو «ذلك» - إشارة إلى وجوب الاشتباه والتشبيه خبره يعني وكان ثبوت المشابهة بينهما تشبيه الحق الثابت بالذات وهو واجب الوجود المنزه عن صفات الخلق بالرائي الباطل بالذات في كونه طرفا من الهواء وواقعا في حيز وموصوفا بالجسمية ولواحقها مثله، وقد مر أنه وجب إخراجه تعالى عن الحدين حد الإبطال وحد التشبيه.
(لأن الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات) يحتمل أن يكون تعليلا لقوله «وكان ذلك التشبيه» يعني أن اعتبار المشابهة بينهما يستلزم التشبيه المذكور لأنها سبب له والسبب لا بد أن يكون

1 - قوله «وجب الاشتباه» الاشتباه هو الشبه يعني يلزم أن يكون المرئي شبيها للرائي في كونه طرفا للهواء الفاصل وهو التشبيه الممنوع ونقل صدر المتألهين (قدس سره) اعتراضات للغزالي على مثل هذا الدليل وأجاب عنه:
الأول: أنا لا نسلم أن الإبصار لا يكون إلا بفاصل هو الهواء إذ لم يقم عليه دليل ولم يكن بينا بنفسه إلا أنا لم نعلم إبصارا إلا بفاصلة وجهة وهذا لا يدل على الانحصار.
الثاني: أن الله تعالى يرى الأشياء ولا جهة ولا هواء فاصلا بينه وبين الأشياء فالرؤية لا يتوقف على الفاصلة.
الثالث: أن الإنسان يرى نفسه في المرآة ولا فاصلة بينه وبين نفسه.
والجواب عن الأول: أن الجسم لا يمكن أن ينفعل إلا بوضع ومحاذاة بينه وبين ما يؤثر فيه وقد ثبت ذلك في محله وهذا كاف فالحاسة والعضو الحامل لقوة الحس لا بد أن ينفعل بما يؤثر فيه من النور الثائر من المحسوس، وعن الثاني: أن إبصار الله تعالى ليس بعضو وجارحة وليس له جسم يتأثر عن المحسوس حتى يقال فيه بنظير ما يقال في إبصار الإنسان والكلام في إبصار العين أعني الجارحة الخاصة، وعن الثالث أن الإنسان مقابل المرآة يرى نفسه لأن بين الرائي والمرئي مقابلة بوجه فيخرج الشعاع من جسم المرئي إلى المرآة وينعكس منه إلى عين الرائي فالهواء الفاصل بين المرآة والرائي إذ ضوعف كان بمنزلة رؤية الإنسان غيره وما ذكره الغزالي سفسطة فعلم أن دليل الإمام (عليه السلام) لا يختل بهذه الشبهة الواهية.
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»
الفهرست