شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٨٩
الوهم له وإدراكه إياه دون الإدراك العيني لأن عدم إدراك العين له ظاهر لا سترة فيه والمراد بالوهم الإدراك المتعلق بالقوة العقلية المتعلقة بالمعقولات والقوة الوهمية المتعلقة بالمحسوسات جميعا وقد شاع ذلك في الاستعمال، ودل عليه مضامين الأخبار دون الأخير فقط ولما كان المتعارف من الإبصار عند الناس هو الإبصار بالعين دون الإبصار بالقلب نبه (عليه السلام) على صحة إرادة الثاني بالآية والعرف فقال (ألا ترى إلى قوله «قد جاءكم بصائر من ربكم» ليس يعني بصر العيون) بل يعني بصر القلوب وإدراك العقول، والبصائر جمع البصيرة وهي للنفس كالبصر للعين (فمن أبصر فلنفسه) أي فمن أبصر الحق وتبعه فقد أبصر لنفسه لأن نفعه لها.
(ليس يعني من البصر بعينه) بل عنى منه البصر بقلبه (ومن عمي فعليها) أي ومن عمى عن الحق وضل عنه فعلى نفسه يرجع وباله وإليها يعود نكاله (ليس يعني عمى العيون) بل يعني عمى القلوب عن الحق وعدم إدراكها له (إنما عنى) من الإدراك المنفي في قوله «لا تدركه الأبصار» (إحاطة الوهم) يعني لا تدركه أوهام القلوب ولا يحيط به إدراك العقول، وهذا تأكيد لما ذكره أولا ولما أشار إلى إطلاق البصر على الإدراك القلبي في القرآن الكريم أشار إلى إطلاقه عليه في العرف أيضا بقوله (كما يقال: فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب) أي عليم بهذه الأمور عارف بأحوالها مدرك لجيدها ورديها مميز بين صحيحها وسقيمها، ثم أشار إلى أن حمل الآية على نفي الإدراك القلبي أولى من حملها على نفي الإدراك العيني بقوله (الله أعظم من أن يرى بالعين) فعدم إمكان رؤيته بالعين أمر ضروري لا ينكره إلا شرذمة قليلون ممن لا يعتد بهم، وأما إدراكه تعالى بأوهام العقول فهو شأن جمع العوام وحال أكثر أهل العلم فإنهم يتصورونه بوجه ويتخيلونه بأمر لا يليق به ويجب تنزيهه عنه فهو أولى بالنفي، ويحتمل أن يكون هذا الكلام بمنزلة النتيجة للسابق توضيحه أن الإدراك العقلي أكثر اتساعا من الإدراك العيني إذ كل ما يدركه العين يدركه العقل دون العكس فإذا لم يدركه العقل فهو أعظم من أن يراه العين.
* الأصل:
10 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الله هل يوصف؟ فقال: أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى قال: أما تقرأ قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار)؟ قلت بلى، قال: فتعرفون الأبصار؟ قلت: بلى، قال: ما هي؟ قلت: أبصار العيون، فقال: إن أوهام القلوب أكبر (1) من أبصار العيون فهو لا تدركه

1 - قوله «أوهام القلوب أكبر» نفى إحاطة القلوب يستلزم نفي إحاطة البصر إذ نفي قدرة الأعم إدراكا يستلزم نفي الأخص كما في كل عام وخاص ونفي الحيوان يوجب نفي الإنسان وهذا شيء صريح في الرواية لم يغفل عنه أحد وقال العلامة المجلسي (رحمه الله) إن الأشاعرة وافقونا في أن كنهه تعالى يستحيل أن يتمثل في قوة عقلية وجوزوا ارتسامه وتمثله في قوة جسمانية، وتجويز إدراك القوة الجسمانية لها دون العقلية بعيد عن العقل مستغرب وأشار (عليه السلام) إلى أن كل ما ينفي العلم بكنهه تعالى من السمع ينفي الرؤية أيضا قال ذلك في شرح الخبر الثاني عن أبي قرة عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وقد أشار في الخبر إلى دقيقة غفل عنها الأكثر، وأقوال أخرنا نقله إلى هنا لأن هذا الخبر أصرح منه وأما الأشاعرة فكانوا متأخرين عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وكان شيخهم معاصرا للكليني تقريبا. (ش)
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»
الفهرست