الإنس والجن هذه الآيات التي دلت على أنه لا تتعلق به الرؤية ولا يدركه بصر من الأبصار ومن المحال أن يقول بعد هذا أنا رأيته ببصري لاستحالة أن يأتي بالمتناقضين فقد رميتموه بشيء لا تقدر الزنادقة أن ترميه به، أما دلالة الآية الأولى على نفي الرؤية فلأن الفعل في سياق النفي كالنكرة في سياقه فيعم النفي كل إدراك بالبصر سواء كان يكنه الحقيقة أو لا، فاندفع ما قيل: من أن الإدراك أخص من الرؤية ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم، لا يقال: يجوز تخصيص هذه الآية بكنه الحقيقة للأخبار الدالة على جواز الرؤية لأنا نقول جواز تخصيص القرآن بخبر الواحد على تقدير صحته ممنوع، ولو سلم فنقول: تخصيص الرؤية في الأخبار بالرؤية القلبية أسهل وأولى (1). لا يقال:
الرؤية القلبية ثابتة لجميع الأنبياء فلا وجه لتخصيصه بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنا نقول: الرؤية القلبية تتفاوت فيجوز أن يخلق الله تعالى له من الإدراك العلمي ما لم يخلقه لغيره من الأنبياء والرؤية التي قسمها الله تعالى له هي هذه الرؤية الكاملة، ثم هذا على تقدير أن يكون الإدراك في الآية أخص من الرؤية وهو ممنوع، لأن المنفي هو الإدراك بالبصر وهو يساوي الرؤية.
وأما دلالة الآية الثانية على نفي الرؤية فلأن المقصود منها نفي إحاطة العلم: به مطلقا أي كما وكيفا وجهة وكنها، فلو تعلقت الرؤية به لكان معلوما بأحد الوجوده المذكورة وهي كالسابقة سؤالا وجوابا، ثم احتياجنا إلى هذه المقالات لأن كلامنا مع الخصم وإلا فتفسير المعصوم حجة، ولما لم يكن للخصم مفسر عالم يرجع إليه ذهب إلى ما اقتضاه رأيه فوقع في هذه المفاسد من جواز الرؤية وأمثالها مما يمتنع عليه سبحانه، وأما دلالة الآية الثالثة فلأن المقصود منها نفي المماثلة عنه مطلقا فلو تعلقت به الرؤية لكان مصورا بصورة وممثلا بكيفية ومتحيزا بحيز وواقعا في جهة فيكون مماثلا لخلقه من وجوه متعددة، تعالى الله عن ذلك.