شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٦٦
الإنس والجن هذه الآيات التي دلت على أنه لا تتعلق به الرؤية ولا يدركه بصر من الأبصار ومن المحال أن يقول بعد هذا أنا رأيته ببصري لاستحالة أن يأتي بالمتناقضين فقد رميتموه بشيء لا تقدر الزنادقة أن ترميه به، أما دلالة الآية الأولى على نفي الرؤية فلأن الفعل في سياق النفي كالنكرة في سياقه فيعم النفي كل إدراك بالبصر سواء كان يكنه الحقيقة أو لا، فاندفع ما قيل: من أن الإدراك أخص من الرؤية ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم، لا يقال: يجوز تخصيص هذه الآية بكنه الحقيقة للأخبار الدالة على جواز الرؤية لأنا نقول جواز تخصيص القرآن بخبر الواحد على تقدير صحته ممنوع، ولو سلم فنقول: تخصيص الرؤية في الأخبار بالرؤية القلبية أسهل وأولى (1). لا يقال:
الرؤية القلبية ثابتة لجميع الأنبياء فلا وجه لتخصيصه بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنا نقول: الرؤية القلبية تتفاوت فيجوز أن يخلق الله تعالى له من الإدراك العلمي ما لم يخلقه لغيره من الأنبياء والرؤية التي قسمها الله تعالى له هي هذه الرؤية الكاملة، ثم هذا على تقدير أن يكون الإدراك في الآية أخص من الرؤية وهو ممنوع، لأن المنفي هو الإدراك بالبصر وهو يساوي الرؤية.
وأما دلالة الآية الثانية على نفي الرؤية فلأن المقصود منها نفي إحاطة العلم: به مطلقا أي كما وكيفا وجهة وكنها، فلو تعلقت الرؤية به لكان معلوما بأحد الوجوده المذكورة وهي كالسابقة سؤالا وجوابا، ثم احتياجنا إلى هذه المقالات لأن كلامنا مع الخصم وإلا فتفسير المعصوم حجة، ولما لم يكن للخصم مفسر عالم يرجع إليه ذهب إلى ما اقتضاه رأيه فوقع في هذه المفاسد من جواز الرؤية وأمثالها مما يمتنع عليه سبحانه، وأما دلالة الآية الثالثة فلأن المقصود منها نفي المماثلة عنه مطلقا فلو تعلقت به الرؤية لكان مصورا بصورة وممثلا بكيفية ومتحيزا بحيز وواقعا في جهة فيكون مماثلا لخلقه من وجوه متعددة، تعالى الله عن ذلك.

1 - قوله «بالرؤية القلبية أسهل» في الجزء التاسع من تفسير المنار الصفحة 150 «والحق في ذلك ما هدانا إليه دين الحق وهو أن إدراك أبصار الخلق له سبحانه وتعالى وأحاطة علمهم به من المحال الذي لا مطمع فيه «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير. يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما» ولكن العجز عن الإدراك والإحاطة يستلزم العجز عما دون ذلك من العلم والمعرفة التي ترتقي إلى الدرجة التي عبر عنها بالتجلي والرؤية. انتهى موضع الحاجة.
وأطال بعد ذلك الكلام بما يرجع إليه وهذا عين تأويلنا وتأويل المعتزلة وقد خالف في ذلك أصحابه والحاصل أن المعرفة التامة والكشف الضروري ليس رؤية كما أنا نعلم أن الكل أعظم من الجزء وهذا واضح لدينا كالشمس مشرقة والنار محرقة بل أوضح، ولا يسمى هذا رؤية إلا مجازا فإن كان مراد المدعين للرؤية هذا الكشف التام فمرحبا بالوفاق ولكن لا يكتفي بذلك أصحابه بل يدعون الرؤية الحقيقة بالبصر وهذا شأن الجسم. (ش)
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»
الفهرست