شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٧١
والاستدلال ألا ترى أنك إذا رأيت شيئا عرفت وجوده من غير نظر حتى أن من طلب منك الدليل على وجوده نسبته إلى السفه والجنون.
(فإذا جاز أن يرى الله بالعين وقعت المعرفة) بوجوده (ضرورة) (1) بلا خلاف والمناسب «لو» بدل «إذا» إلا أنه بنى الكلام على المماشاة مع الخصم القائل بجواز الرؤية.
(ثم لم تخل تلك المعرفة) الضرورية من جهة الرؤية (من أن تكون إيمانا أو ليست بإيمان) لا ثالث لهما إذ لا واسطة بين النفي والإثبات وكل واحد من هذين القسمين باطل، أما الأول فأشار إليه بقوله (فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيمانا فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان) والتالي باطل فالمقدم مثله، أما بيان الشرطية فأشار إليه بقوله (لأنها ضده) أي لأن الرؤية ضد الاكتساب لأن الرؤية تفيد العلم الضروري والاكتساب يفيد العلم الكسبي فإن كان الأول إيمانا لم يكن الثاني إيمانا لأن الإيمان له حقيقة واحدة بحكم المقدمة الأولى وتلك الحقيقة إن كانت ضرورية لم تكن نظرية بحكم المقدمة الثانية.
وأما بطلان التالي فأشار إليه بقوله (فلا يكون في الدنيا مؤمن لأنهم لم يروا الله عز ذكره) في الدنيا وإذا لم يروه لم يكونوا مؤمنين إذ الفرض أن الايمان هو المعرفة من جهة الرؤية وهذا باطل بالاتفاق فقد ثبت أن المعرفة من جهة الرؤية ليست بإيمان.
وأما بطلان القسم الثاني فأشار إليه بقوله (وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا لم تخل هذه المعرفة) التي حصلت في الدنيا (من جهة الاكتساب أن تزول) (2) أي لا بد من أن تزول

1 - قوله «المعرفة بوجوده ضرورة» قسم أهل المنطق التصديقات الضرورية إلى ستة أقسام الأوليات، المشاهدات، التجربيات، المتواترات، الحدسيات، الفطريات، ولا ريب أن التصديق بوجود الواجب تعالى ليس أوليا إلا لبعض الكمل من الأولياء وهم خارجون من محل النزاع ومعنى الأولى أن يكون تصور الموضوع والمحمول كافيا في الجزم بالحكم نحو الكل أعظم من جزئه وأما ساير الأقسام فليس علم أحد بوجوده تعالى مشاهدا ولا معلوما بالتجربة والتواتر ولا من القضايا التي قياساتها معها أعني الفطري وكونه فطريا له معنى آخر وليس معلوما بالحديث إلا للأوحدي من الناس فالعلم بوجوده تعالى اكتساب وإذا أخرجنا الأوليات والحدسيات من الضروريات صدق قولنا لا يمكن أن يكون شيء من الضروري اكتسابا في وقت ولا شيء من الاكتساب ضروريا في وقت أي لا شيء من المدرك بالحس مدركا بالعقل في وقت، ولا شيء من المدرك بالعقل مدركا بالحس في وقت، وإنا نعلم في الدنيا وجود الواجب مجردا مدركا بالعقل غير قابل لأن يدرك بالحس فإن كان هذا صحيحا كان إيمانا وإن لم يكن صحيحا لم يكن إيمانا بل كفرا وجعل ما ليس بإله إلها وفي الآخرة إن وجدناه بالبصر كان شيئا محسوسا غير مجرد وهو غير ما آمنا به في الدنيا. (ش) 2 - قوله «من جهة الاكتساب أن تزول» قال الشارح في بيانه: أن المعرفة بالاكتساب تزول بالمعرفة الضرورية للتضاد بينهما وفيه منع ظاهر إذ ربما يحصل الإنسان العلم بوجود شيء بالدليل كالعلم بالباني من مشاهدة البناء، ثم يشاهد ذلك الباني فيكمل الدليل بالوجدان والبرهان بالعرفان فالأصح في بيانه ما قلناه.
وأورد المجلسي (رحمه الله) ثلاثة وجوه في تفسير هذا الحديث في مرآة القول وقال الوجه الثالث ما حققه بعض الأفاضل ومراده صدر المتألهين (قدس سره) وذكر كلامه في شرح الأصول وكذلك في البحار (المجلد الثاني ص 122) وأورد الاعتراض على الوجه الأول والثاني وضعفهما دون ما نقله عن الصدر (قدس سره) وقال: جميع هذه الوجوه لا تخلو عن تكلف. وليس بين ما ذكرنا وما حققه صدر المتألهين كثير فرق في أصل المعنى وبما ذكرناه يزول ما يتوهم من التكلف في تفسيره إن شاء الله ثم أن قوله (عليه السلام) «لم تخل هذه المعرفة» من جهة الاكتساب أن تزول لا يحتاج إلى عدل ومعناه أن هذه المعرفة الاكتسابية في الدنيا لا بد أن تزول بسبب الرؤية لأنا إذا رأيناه في الآخرة بأبصارنا تبين لنا أنه لم يكن مجردا غير جسماني كما كنا علمناه في الدنيا بالاكتساب وزعم بعض الشراح أنه لا يصح الكلام إلا بضميمة عدل هكذا: لم تخل هذه المعرفة من الاكتساب من أن تزول، أو لا تزول وحذف لا تزول لدلالة الكلام عليه ولا حاجة إليه. (ش)
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»
الفهرست