شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٦٤
وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول: لا تدركه الأبصار ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شيء، ثم يقول: أنا رأيته بعيني وأحطت به علما وهو على صورة البشر، أما تستحيون، ما قدرت الزنادقة ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيء ثم يأتي بخلافه من وجه آخر، قال أبو قرة: فإنه يقول:
(ولقد رآه نزلة اخرى) فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال: (ما كذب الفؤاد ما رأى) يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى فقال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى. فآيات الله غير الله وقد قال الله: (ولا يحيطون به علما) فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة، فقال أبو قرة: فتكذب بالروايات؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام) إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما ولا تدركه الأبصار وليس كمثله شيء؟.
* الشرح:
(أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرة المحدث) هو صاحب شبرمة (1) كما صرح به الشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج، وقال بعض الأصحاب اسمه علي بن أبي قرة أبو الحسن المحدث رزقه الله تعالى الاستبصار ومعرفة هذا الأمر أخيرا انتهى.
وإنما وصفه بالمحدث لئلا يتوهم أنه أبو قرة النصراني اسمه يوحنا صاحب الجاثليق وقد سأل أبو قرة هذا أيضا صفوان بن يحيى أن يدخله على الرضا (عليه السلام) فأدخله فسأله عن النبوة كما هو المذكور في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام).
(أن ادخله على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال أبو قرة: إنما روينا) في بعض النسخ إنا بدل «إنما» قال في المغرب رويته الحديث حملته على روايته ومنه إنا روينا في الأخبار بضم الراء وشد الواو وكسرها.
(أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين (2)) على صيغة التثنية (فقسم الكلام لموسى ولمحمد

١ - «وهو صاحب شبرمة» أبو قرة وشبرمة كلاهما مجهولان وليس عبد الله بن شبرمة المتوفى سنة ١٤٤ على عهد الصادق (عليه السلام) لأنه لم يدرك الرضا (عليه السلام) وقد ذكر ابن حجر في التقريب موسى بن طارق القاضي المكنى بأبي قرة من الطبقة التاسعة وهو معاصر للرضا (عليه السلام) فلعله هو. (ش) ٢ - قوله «بين نبيين» كذلك في الاحتجاج، وفي التوحيد «بين اثنين» واعلم أنه قد روى هذا الحديث في الكتاب وفي توحيد الصدوق وفي الاحتجاج وهو أجمع وأطول وينبغي لمن أراد أن يعرف مقدار اختلاف الروايات في الألفاظ وحفظ المعنى وحده أن يقابل بين الرويات المختلفة لخبر واحد كهذا الخبر حتى يعلم أن طريقه أهل عصرنا في التمسك بمزايا الألفاظ المروية ودقائقها ودعوى الظن الاطميناني بصدورها غير معتمدة.
وروى في الاحتجاج قبل السؤال عن الرؤية السؤال عن كلام الله وأنه قديم أو حادث وكذلك عن الكتب المنزلة ثم أتى بما في هذا الكتاب ثم نقل مسائل أخرى نحو ثلاثة أمثال ما في الكتاب وجميعها شبهات في التجسيم:
الأولى: المعراج فإنه لم يكن الله تعالى في السماء كيف اسرى به إليه وما فائدة المعراج؟.
الثانية: ما بالكم إذا دعوتم رفعتم أيديكم إلى السماء؟.
الثالثة: من أقرب إلى الله؟ الملائكة أو أهل الأرض؟.
الرابعة: ان الله تعالى محمول على أي شيء؟.
الخامسة: إن الله تعالى إذا غضب ثقل فثقل العرش على كواهل الحملة وإذا ذهب الغضب خف؟ فأجاب الرضا (عليه السلام) عن شبهتهم الأولى بأن الإسراء لم يكن لتحصيل القرب المكاني إلى الله تعالى بل ليريه من آيات ربه الكبرى وآيات الله غيره فرأى (صلى الله عليه وآله وسلم) في المعراج أمورا نقلته الرواة من صفوف الملائكة وطبقاتهم ومراتب الأنبياء والجنة والنار وثواب كل عمل صالح وعقاب كل فعل قبيح وغير ذلك، وعن الشبهة الثانية بأن رفع اليد إلى السماء تذلل واستكانة نظير التوجه إلى القبلة في الصلاة والحج إلى البيت لا لأن الله تعالى هناك، وعن الشبهة الثالثة بأن قرب الملائكة ليس بالشبر والذراع بل تقرب بالوسيلة وقد روي «أن أقرب ما يكون العبد إلى الله تعالى وهو ساجد» ولو كان التقرب بالمكان لكان القيام أقرب بل كان الإنسان على المنارة أقرب منه على الأرض، وعن الشبهة الرابعة بأن المحمول محتاج وهو صفة نقص بل هو يمسك السماوات والأرض أن تزولا، وعن الشبهة الخامسة بأن الله تعالى دائم الغضب على إبليس واتباعه ويجب أن لا يخف العرش أبدا وأن التغير لا يجوز عليه تعالى. هذا خلاصة تمام الحديث على ما في الاحتجاج أوردناه تكميلا للفائدة. (ش)
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»
الفهرست