شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٦٩
والروايات المخالفة لذلك باطلة مصنوعة فمن تمسك بها وقال إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) رآه بالعين خالف القرآن وإجماع المسلمين وخرج عن الإسلام، على أن الروايات على تقدير صحتها لا نص فيها على أنه رآه بالعين فيجوز حملها على أنه رآه بالقلب، وفي كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي (رحمه الله) «قال صفوان فتحير أبو قرة ولم يحر جوابا حتى قام وخرج».
* الأصل:
3 - أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن سيف، عن محمد بن عبيد قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أسأله عن الرؤية وما ترويه العامة والخاصة وسألته أن يشرح لي ذلك، فكتب بخطه: اتفق الجميع لا تمانع بينهم أن المعرفة من جهة الرؤية ضرورة فإذا جاز أن يرى الله بالعين وقعت المعرفة ضرورة ثم لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيمانا أو ليست بإيمان فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيمانا فالمعرفة التي دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لأنها ضده، فلا يكون في الدنيا مؤمن لأنهم لم يروا الله عز ذكره وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب أن تزول ولا تزول في المعاد فهذا دليل على أن الله عز وجل لا يرى بالعين إذ العين تؤدي إلى ما وصفناه.
* الشرح:
(أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن سيف، عن محمد بن عبيد قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أسأله عن الرؤية وما ترويه العامة) من جواز رؤيته في الآخرة (والخاصة) من عدم جوازها (وسألته أن يشرح لي ذلك) أي يوضح إلي عدم جوازها بالبرهان والبرهان الذي ذكره (عليه السلام) يتضح بعد تمهيد مقدمات (1) كلها ضرورية الاولى أن الشيء الواحد له

1 - قوله «بعد تمهيد مقدمات» إن الله تعالى خلق لإدراك كل شيء قوة وآلة تختص به فللصوت السمع وللأرواح الشم واللون والضوء الباصرة ولغير المحسوس العقل والإنسان مجبول على تميز المدركات باختلاف الإدراك وأضرب مثالا يتضح لك الأمر إن شاء الله، مثلا كلمة جمل بالضم قد يكون علما لا مرأة وقد يكون جمع جملة، فإن قلت رأيت جملا ما أجملها حمله السامع على المرأة لمكان رأيت وإن قلت سمعت جملا ما أجملها حمله على الكلام لمكان سمعت حيث أن المرئي جسم والمسموع صوت فالشيء القابل للرؤية غير الشيء القابل للسمع وكذلك سائر الحواس والمدارك والله تعالى إن كان من شأنه أن يدرك بالبصر فهو غير الذي ليس من شأنه ذلك ولا شك أن الله تعالى الذي آمنا به في الدنيا وعبدناه ليس شيئا من شأنه أن يدرك بالبصر في الدنيا باتفاق من المسلمين إلا جماعة من المجسمة ومذهبهم مردود باتفاق أهل التحقيق ولاشك أيضا أنه تعالى في الآخرة هو الذي كنا عبدناه في الدنيا ولو كان شيئا من شأنه أن يدرك بالبصر في الآخرة كان غير الذي من شأنه أن لا يدرك به في الدنيا كما أن المسموع في مثالنا غير المرئي ويغلط من حمل أحدهما على الآخر ولا يمكن التغير في ذاته تعالى بأن يكون في الدنيا غير قابل لأن يدرك بالبصر لكونه مجردا، ثم يتغير ويصير في الآخرة جسما كثيفا ملونا يليق بأن يبصر ولا يمكن التغير في باصرة الإنسان أيضا بأن يصير قابلا لأن يبصر غير الضوء واللون في نشأة من النشآت فإن قيل لا نسلم هذا الأخير فلعل القوة الباصرة تصير أقوى في الآخرة بحيث يرى ما لم يكن يرى كما في المنظار والآلات المكبرة. والتلسكوبات في عصرنا، قلنا القوة الباصرة كلما قويت لم تقدر على رؤية غير الضوء واللون ولا يمكن أن يرى الأصوات والطعوم بل يرى اللون والضوء فقط ولو بالآلات المكبرة.
وقد روى الصدوق (رحمه الله) في الأمالي عن إسماعيل بن الفضل قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الله تبارك وتعالى هل يرى في المعاد؟ فقال: سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا يا ابن الفضل الأبصار لا تدرك إلا ما له لون وكيفية والله تعالى خالق اللون والكيفية».
أقول: الكيفية هنا الشكل نعم يجوز أن يقوي مدارك المؤمن في الآخرة بحيث يكشف لديه بغير الأبصار الخفيات من الأمور ولكن لا يسمى ذلك أبصارا إذ ليس فيه حقيقة معنى الأبصار وهو تأثر الباصرة بالنور الساطع من الجسم المرئي بآلة أو غير آلة وأقرب الأمور إلى الأبصار الرؤيا بالحس المشترك ما ينعكس فيه من الخيال كما في القطر النازل والشعلة الجوالة وما يراه المبرسمون وهو أيضا لا يجوز عليه تعالى لعدم كونه صورة تنطبع في الخيال.
وبالجملة خلق الله تعالى لإدراك كل شيء قوة أو جارحة فالمعقول يدرك بالعقل والضوء بالبصر والصوت بالسمع وهكذا ولا يطلق الأبصار على إدراك الصوت كلما وضح وكذلك على إدراك المعقول بطريق أولى.
(ش)
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»
الفهرست