أن الشهرة مرجحة عند تعارض الدليلين، واستدل به بعض العلماء على حجية الإجماع لأن كلية الكبرى في مثله من شرائط الانتاج.
أقول: فيه نظر لأنا لا نسلم أن المراد بالمجمع عليه هنا هو المعنى المصطلح بل المراد به الأمر المشهور كما أشرنا إليه ودل عليه سياق الكلام وإن سلمنا فنقول: تقرير الدليل بقرينة السياق هكذا هذا الخبر ما دل على حكم مجمع عليه وكل ما دل على حكم مجمع عليه وجب اتباعه: أما الصغرى فظاهرة وأما الكبرى فلأن ما دل على المجمع عليه لا ريب فيه، فالمستفاد منه أن الإجماع مرجح لأحد الخبرين على الآخر عند التعارض ولا نزاع فيه وإنما النزاع في جعل الإجماع دليلا مستقلا (1)، وهذا الخبر لا يدل عليه فليتأمل.
(وإنما الامور ثلاثة: أمر بين رشده فيتبع) أي أمر ظاهر مكشوف وجه صحته وحقيته لوضوح مأخذه من الكتاب والسنة فيجب اتباعه.
(وأمر بين غيه فيجتنب) أي أمر واضح بطلانه وعدم حقيته للعلم بأنه مخالف لما نطق به الكتاب والسنة فيجب اجتنابه.
(وأمر مشكل) لا يعلم وجه صحته ولا وجه بطلانه ولا يعلم موافقته للكتاب والسنة ولا مخالفة لهما.
(يرد علمه إلى الله وإلى رسوله) ولا يجوز فيه الاعتقاد بشيء من طرفي النقيض والحكم به قبل الرد، واستدل بعض الأفاضل بهذا الحصر على أن الإجماع حجة وقال: المراد بالبين رشده وغيه المجمع عليه وبالمشكل المتنازع فيه لأنه الذي وجب رد علمه إلى رسوله لقوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول)، وفيه نظر لأنا لا نسلم أن المراد بالبين رشده وغيه المجمع عليه لجواز أن يكون المراد به ما ظهر وجه صحته ووجه بطلانه، ويؤيده قوله فيما مر «الحكم ما حكم أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به