(قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل) الحق ما كان لرافع الحكم إليهم في نفس الأمر والباطل بخلافه، سواء كان دينا أو ميراثا أو عينا أو نكاحا أو قصاصا أو حدا أو غيرها.
(فإنما تحاكم إلى الطاغوت) أي إلى الشيطان، أو إلى ما يزين لهم الشيطان أن يعبدوه من الآلهة والأصنام، أو الطاغوت يكون واحدا وجمعا وتسمية سلطان الجور وقضاته بالشيطان والآلهة من باب الحقيقة عند أهل العرفان لكونهم من إخوان الشياطين في الدعاء إلى الضلالة وتمردهم عن الحق وكونهم آلهة يعبدهم أوغاد الناس وأهل الجهالة بمتابعتهم في القول والعمل.
(وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا) أي يأخذ مالا سحتا أو أخذا سحتا والأول أولى لعدم الاحتياج فيه إلى تقدير المفعول به. والسحت بالضم في الأصل الاستئصال والإهلاك والمراد به هنا الحرام الذي لا يحل اكتسابه لأنه يستحت البركة أي يذهبها ويهلكها وإذا كان كذلك فلا يجوز أخذ شيء بحكم هؤلاء الطغاة وإعانة هؤلاء العصاة ولا يجوز التصرف فيه.
(وإن كان حقا ثابتا له) يفيد بظاهره عدم الفرق بين الدين والعين وقد يفرق بينهما بأن المأخوذ عوض الدين مال للمدعي عليه انتقل إلى المدعي بحكم الطاغوت فلا يجوز له أخذه ولا التصرف فيه بخلاف العين فإنها مال للمدعي وحق له فهي وإن حرم عليه أخذها بحكم الطاغوت لكن يجوز له التصرف فيها.
(لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به) أي يتبرأ منه، هذا التعليل أيضا يفيد عدم الفرق بينهما.
(قال الله تعالى: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد امروا أن يكفروا به) قيل: نزل في منافق خاصم يهوديا فدعاه اليهودي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف وهذا جار إلى يوم القيامة في كل من يدعو إلى من ليس أهلا للقضاء والحكومة ولم توجد فيه شرائطهما وإن كان على المذهب الحق (1).
وقال الشهيد الثاني: يستثنى منه ما لو توقف حصول حقه عليه فيجوز كما يجوز تحصيل الحق بغير القاضي والنهي في هذا الخبر وغيره محمول على الترافع إليهم اختيارا مع إمكان تحصيل