لعدم متابعتهم من كان يهديهم إلى دين الحق ليصير ذلك سببا لهدايتكم إلى الحق والأخذ بقول من يهديكم إليه، ولما كانت الهداية الحاصلة من الاعتبار حاصلة بتوفيق الله تعالى وعنايته أمر بالتوكل عليه فقال:
(وتوكلوا على الله) في طلب الدين وتحصيل اليقين ليهديكم إليه وينور قلوبكم من لديه، فإن من توكل على الله في أمر من الامور فهو حسبه وهو ولي التوفيق ومنه هداية الطريق، وفيه دلالة على أن الأرض لا تخلو من ولي عالم وإمام عادل لحفظ الدين وهداية الخلق.
والروايات الدالة عليه من طرقنا وطرق العامة أكثر من أن تحصى، أما من طرقنا فمن نظر في هذا الكتاب وغيره علم أنها متجاوزة عن حد التواتر قطعا، وأما من طرق العامة فقد نقل مسلم في كتابه اثني عشر حديثا كلها صريح الدلالة على هذا المطلب منها ما رواه عنه (صلى الله عليه وآله) قال: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان» (1). وهذا نظير ما يجي في هذا الكتاب (2) عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «لو لم يكن في الأرض إلا اثنان لكان الإمام أحدهما»، ومنها ما رواه عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي (صلى الله عليه وآله) فسمعته يقول: «هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيه اثنا عشر خليفة»، قال: ثم تكلم بكلام خفي علي، قال: قلت لأبي: ما قال؟
قال: قال: «كلهم من قريش»، وهذا نظير ما يجي في هذا الكتاب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «من ولدي اثنا عشر نقيبا نجباء محدثون مفهمون آخرهم القائم بالحق يملأها عدلا كما ملئت جورا» (3)، والبواقي نذكرها في موضع آخر إن شاء الله تعالى.
وقد يستدل بهذا الحديث وأمثاله - وهي كثيرة بعضها مذكور في هذا الكتاب، وبعضها في كتاب العلل، وبعضها في كتاب كمال الدين، وبعضها في كتاب الخصال، وبعضها في غير هذه الكتب - على أن إجماع العلماء حجة لكشفه عن دخول المعصوم (4)، وإلا لزم خلاف ما نطق به الرسول (صلى الله عليه وآله)