شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٤٠
لعدم متابعتهم من كان يهديهم إلى دين الحق ليصير ذلك سببا لهدايتكم إلى الحق والأخذ بقول من يهديكم إليه، ولما كانت الهداية الحاصلة من الاعتبار حاصلة بتوفيق الله تعالى وعنايته أمر بالتوكل عليه فقال:
(وتوكلوا على الله) في طلب الدين وتحصيل اليقين ليهديكم إليه وينور قلوبكم من لديه، فإن من توكل على الله في أمر من الامور فهو حسبه وهو ولي التوفيق ومنه هداية الطريق، وفيه دلالة على أن الأرض لا تخلو من ولي عالم وإمام عادل لحفظ الدين وهداية الخلق.
والروايات الدالة عليه من طرقنا وطرق العامة أكثر من أن تحصى، أما من طرقنا فمن نظر في هذا الكتاب وغيره علم أنها متجاوزة عن حد التواتر قطعا، وأما من طرق العامة فقد نقل مسلم في كتابه اثني عشر حديثا كلها صريح الدلالة على هذا المطلب منها ما رواه عنه (صلى الله عليه وآله) قال: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان» (1). وهذا نظير ما يجي في هذا الكتاب (2) عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «لو لم يكن في الأرض إلا اثنان لكان الإمام أحدهما»، ومنها ما رواه عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي (صلى الله عليه وآله) فسمعته يقول: «هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيه اثنا عشر خليفة»، قال: ثم تكلم بكلام خفي علي، قال: قلت لأبي: ما قال؟
قال: قال: «كلهم من قريش»، وهذا نظير ما يجي في هذا الكتاب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «من ولدي اثنا عشر نقيبا نجباء محدثون مفهمون آخرهم القائم بالحق يملأها عدلا كما ملئت جورا» (3)، والبواقي نذكرها في موضع آخر إن شاء الله تعالى.
وقد يستدل بهذا الحديث وأمثاله - وهي كثيرة بعضها مذكور في هذا الكتاب، وبعضها في كتاب العلل، وبعضها في كتاب كمال الدين، وبعضها في كتاب الخصال، وبعضها في غير هذه الكتب - على أن إجماع العلماء حجة لكشفه عن دخول المعصوم (4)، وإلا لزم خلاف ما نطق به الرسول (صلى الله عليه وآله)

١ - راجع صحيح مسلم ج ٧، كتاب الامارة، وهذا الخبر فيه تحت رقم 4.
2 - كتاب الحجة - باب أن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بالإمام.
3 - يأتي في باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم (عليهم السلام).
4 - تعبير حسن جدا، ولا استحسن تقسيم من تأخر وتعبيرهم في الإجماع فإنهم يقسمون الإجماع إلى الدخولي واللطفي والحدسي، والحق أنه ليس لنا إجماع إلا الإجماع الدخولي; إذ لا حجية في أقوال العلماء إلا عند العلم بدخول قول المعصوم في أقوالهم وطريق العلم بدخول المعصوم قد يكون قاعدة اللطف، وقد يكون الحدس وليس الدخول قسيما لهما واللطف مفاد هذه الروايات التي ادعى الشارح تواترها معنى، فإنا إذا علمنا اتفاق العلماء على قول ولم يظهر من أحد خلاف دل بمقتضى هذه الروايات أنه حق; إذ لو كان باطلا لا يرضى به المعصوم لوجب عليه بيان ذلك بوجه، ومعنى الحدس: أنا إذا رأينا اتفاق من يعبأ بقوله من الفقهاء على شيء وتحقق لدينا أن من لم نرهم ولم ينقل إلينا أقوالهم لا يخالف قولهم قول من عرفناهم; إذ العادة قاضية بأنه لو كان خلاف لنقل إلينا، فقد علمنا بالإجمال اتفاق من لم نعرفهم أيضا مثل أنا نعلم إجماع النحويين على أن الفاعل مرفوع مع أنا لم نر أكثر من عشرين كتابا في النحو إلا أنا نعلم أنه لو كان مخالف فيمن لم نعرفهم لظهر قوله فيمن نعرفهم ونعلم أن النصارى مجمعون على تعظيم يوم الأحد مع أنا لم نر إلا قليلا منهم لكن نعلم أنه لو كان بينهم مخالف لتبين بين من نعرفهم وأمثال ذلك كثيرة ويذهب أوهام كثير من الناس إلى أن العلم الإجمالي لا يحصل إلا باستقراء الأفراد تفصيلا واستشكلوا على القياس من الشكل الأول البديهي الانتاج بأنه يستلزم الدور مثلا العلم بأن كل متغير حادث متوقف على تتبع كل متغير، ومنه العالم، فالعلم بأن العالم حادث يتوقف على العلم بأن العالم حادث، والجواب أن العلم الإجمالي لا يتوقف على العلم بالتفاصيل، وكذا العلم باتفاق العلماء إجمالا لا يتوقف على معرفتهم تفصيلا والاطلاع على أقوالهم واحدا واحدا، وقد سبقنا إلى بعض ما ذكرنا في الإجماع السيد محمد باقر الطباطبائي من تلامذة الشيخ المحقق الأنصاري (قدس سرهما) في شرحه الموسوم بوسيلة الوسائل. (ش)
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»
الفهرست