جعلت فداك ما حزنك وشغل قلبك، كل هذا على الدنيا؟ فقال عليه السلام: لا يا جابر ولكن حزن هم الآخرة، يا جابر من دخل قلبه خالص حقيقة الايمان شغل عما في الدنيا من زينتها، إن زينة زهرة الدنيا إنما هو لعب ولهو وإن الدار الآخرة لهي الحيوان. يا جابر إن المؤمن لا ينبغي له أن يركن ويطمئن إلى زهرة الحياة الدنيا. واعلم أن أبناء الدنيا هم أهل غفلة وغرور وجهالة وأن أبناء الآخرة هم المؤمنون العاملون الزاهدون أهل العلم والفقه وأهل فكرة واعتبار واختيار لا يملون من ذكر الله.
واعلم يا جابر أن أهل التقوى هم الأغنياء، أغناهم القليل من الدنيا فمؤونتهم يسيرة، إن نسيت الخير ذكروك. وإن عملت به أعانوك. أخروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم وقدموا طاعة ربهم أمامهم. ونظروا إلى سبيل الخير وإلى ولاية أحباء الله فأحبوهم، وتولوهم واتبعوهم.
فأنزل نفسك من الدنيا كمثل منزلة نزلته ساعة ثم ارتحلت عنه، أو كمثل مال استفدته في منامك ففرحت به وسررت ثم انتبهت (1) من رقدتك وليس في يدك شئ. و إني إنما ضربت لك مثلا (2) لتعقل وتعمل به إن وفقك الله له. فاحفظ يا جابر ما أستودعك (3) من دين الله وحكمته. وانصح لنفسك وانظر ما الله عندك في حياتك، فكذلك يكون لك العهد عنده في مرجعك. وانظر فإن تكن الدنيا عندك على [غير] ما وصفت لك فتحول عنها إلى دار المستعتب اليوم (4)، فلرب حريص على أمر من أمور الدنيا قد ناله، فلما ناله كان عليه وبالا وشقي به ولرب كاره لأمر من أمور الآخرة قد ناله فسعد به.