تحف العقول - ابن شعبة الحراني - الصفحة ٣٢
أيها الناس! إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ولكنه قد رضي بأن يطاع فيما سوى ذلك فيما تحتقرون من أعمالكم (1).
أيها الناس! " إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطؤوا عدة ما حرم الله (2) " وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض و " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم (3) " ثلاثة متوالية، وواحد فرد - ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم ورجب بين جمادى وشعبان (4) ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.

(1) في بعض نسخ الحديث [ورضى منكم بمحقرات الأعمال].
(2) التوبة - 38. وقوله: " ليواطؤوا " أي ليوافقوا عدة الأربعة المحرمة.
(3) التوبة - 37.
(4) النسئ مصدر بمعنى التأخير من نسأ الشئ أي أخره. والمراد تأخير أهل الجاهلية الحج والمحرم عن موقعها وموسمها لمصالحهم المادية التي كانت تتعطل بسبب وقوع الأشهر الحرم في مواسمها، لان السنة القمرية أقل من السنة الشمسية بمقدار معلوم وبسبب ذلك ينتقل الشهور القمرية من فصل إلى فصل وقد يكون الحج واقعا في الشتاء مرة وفى الصيف أخرى وربما كان وقت الحج غير موافق لحضور التجار من الأطراف فأرادوا أن لا يوافق أشهر الحرم مواسم مصالحهم واحتالوا على ذلك وأقدموا على عمل الكبيسة بإضافة الأيام في آخر كل سنة هلالية لتوافق السنة الشمسية فهذا النسئ وإن كان سببا لحصول المصالح المادية إلا أنه لزم منه تغيير حكم الله تعالى ولما كانت أيام الحج في تلك السنة - حجة الوداع - قد عادت إلى زمنها المخصوص قبل النقل قال صلى الله عليه وآله: " ألا وإن الزمان قد استدار إلى آخره " وقال المجلسي رحمه الله في المجلد الرابع عشر من كتاب بحار الأنوار بعد ذكر بعض الأقوال في تفسير هذه الآية: وللآية تفسير آخر وهو أن يكون المراد بالنسئ كبس بعض السنين القمرية بشهر حتى يلتحق بالسنة الشمسية وذلك أن السنة القمرية أعنى اثنى عشر قمريا هي ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وخمس أو سدس يوم على ما عرف من علم النجوم وعمل الزيجات. والسنة الشمسية هي عبارة عن عود الشمس من أية نقطة نفرض من الفلك إليها بحركتها الخاصة ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم الا كسرا قليلا، فالسنة القمرية أقل من السنة الشمسية بعشرة أيام واحدى وعشرين ساعة وخمس ساعة تقريبا وبسبب هذا النقصان تنتقل الشهور القمرية من فصل إلى فصل، فيكون الحج واقعا في الشتاء مرة وفى الصيف أخرى وكذا في الربيع و الخريف وكان يشق الامر عليهم، إذ ربما كان وقت الحج غير موافق لحضور التجار من الأطراف فكان تختل أسباب تجاراتهم ومعائشهم، فلهذا السبب أقدموا على عمل الكبيسة بحيث يقع الحج دائما عند اعتدال الهواء وادراك الثمرات والغلات وذلك بقرب حلول الشمس نقطة الاعتدال الخريفي فكسبوا تسع عشرة سنة قمرية بسبعة أشهر قمرية حتى صارت تسع عشرة سنة شمسية، فزادوا في السنة الثانية شهرا، ثم في الخامسة، ثم في السابعة، ثم في العاشرة، ثم في الثالثة عشر، ثم في السادسة عشر، ثم في الثامنة عشر وقد تعلموا هذه الصنعة من اليهود والنصارى.
فإنهم يفعلون هكذا لأجل أعيادهم، فالشهر الزائد هو الكبيس وسمى النسئ لأنه المؤخر والزائد مؤخر عن مكانه وهذا التفسير يطابق ما روى أنه صلى الله عليه وآله خطب في حجة الوداع و كان في جملة ما خطب به " ألا وان الزمان قد استدار كهيئة [خ ل كهيئته] يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر بين جميدى وشعبان ". والمعنى رجعت الأشهر إلى ما كانت عليه وعاد الحج في ذي الحجة وبطل النسئ الذي كان في الجاهلية وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة في نفس الامر... ".
انتهى - والمواطأة: الموافقة. واستدار يستدير كدار يدور بمعنى إذا طاف حول الشئ وعاد إلى الموضع الذي ابتدأ فيه. والشهر مأخوذ من شهرة الامر أي ظهوره ووضوحه، ويطلق على الشهور القمرية لحاجة الناس إليه في ديونهم ومعاملاتهم وغير ذلك من مصالحهم ولشهرته عند العالم والجاهل والبادي والحاضر ويمكن أن يضبطها كل الناس حتى العامي والبادي.
فلذلك كان المدار في أحكام الاسلام عليها والدليل عليه هذه الآية في سورة التوبة. وأيضا قوله تعالى في سورة يونس - 5 " جعل الشمس ضياءا والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب " وتقدير القمر بالمنازل علة للسنين ويصح ذلك إذا كانت السنة معلقة بسير القمر.
وقوله في سورة البقرة - 189 " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس ".
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»
الفهرست