العقل. والراحل إذا كان نبيها مجدا عارفا أخذ من علماء الأمصار زيادات لم يسمعها من علماء مصره، وكثيرا ما يجد عندهم ما لم يجده عند شيوخه. وهكذا يأخذون عنه ما لم يكن عند علماء بلدهم، ويسمعون منه ما لم يسمعوا من مشايخهم، وكم من مناظرات تقع بين الراحل وعلماء الأمصار فيظهر له ولهم الحق ويستبان لهم مذهب الصواب فيزدادوا بصيرة، إلى غيرها من الفوائد. وقد قال الحكيم عز وجل " فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ".
فشيخنا المترجم من فرسان هذا الميدان، أحرز قصب السبق من جميع الاقران، وليس لأحد معشار ماله نصيب منها، مع أنه - قدس سره - يستصغر ما كابده وعاناه في أسفاره، واستهان التعب والنصب في رحله وترحاله، من قطع المفاوز وألفيا في وجواز البلدان والبوادي، واقتحام السفوح الوعرة، والأقطار الشاسعة، مع صعوبة المركب ومقاساة السفر، والمخاطر التي كانت للمسافر في تلك العصور.
وإن أردت تفصيل رحلاته فاستمع لما يتلى:
ولد - رحمه الله - بقم ونشأ بها، وتتلمذ على أساتذتها، وتخرج على مشايخها، ثم هاجر إلى الري بالتماس أهلها وأقام بها، ثم سافر إلى مشهد الرضا عليه السلام، ثم عاد إلى الري، ودخل نيشابور فغشاه الأكابر، وحفد إليه العلماء، فاقتبسوا من نوره و نهلوا من فيضه، وسمع جمعا من مشايخها منهم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي حدثه بداره فيها، وعبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيشابوري، وأبو منصور أحمد بن إبراهيم ابن بكر الخوري، وأبو سعيد المعلم محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر النيشابوري وأبو الطيب الحسين بن أحمد بن محمد الرازي، وعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السجزي وأبو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد.
وفي خلال تلك الأيام التي أقام بنيشابور اختلف الناس إليه فوجد أكثرهم حائرين في أمر الحجة عليه السلام مائلين عن المحجة فبذل مجهوده في ردهم إلى الصواب، وإزالة