إليه وفي بغداد مع غير واحد من المنكرين، لكاد أن ينفصم حبل الامامية والاعتقاد بالحجة، ويمحى أثرهم ويؤول أمرهم إلى التلاشي والخفوت والاضمحلال والسقوط و يفضي إلى الدمار والبوار.
وهذه كتب الحديث والتاريخ تقص علينا ضخامة الأعمال التي نهض بأعبائها هذا المجاهد المناضل وزمرة كبيرة من رجال العلم، وقيام هؤلاء في تدعيم الحق وتنوير الأفكار، ودرء شبهات المخالفين وسفاسفهم الممقوتة، ونجاة الفرقة المحقة عن خطر الزوال ومتعسة السقوط، فجزاهم الله عن الاسلام خير جزاء العلماء المجاهدين.
تآليفه القيمة ألف - قدس سره - كتبا شتى في جميع فنون الاسلام وما يحتاج إليه الأمة المسلمة، ولا يغادر شيئا. كلها بنسق بديع وسلك منضد (1)، تبلغ عددها - على ما ذكره الشيخ الطوسي رحمه الله - ثلاثمائة. غير أن جلها ضاعت واندرست أو دثرت و انطمست تحت أطباق البلى أو تركت في زوايا المكتبات الدارسة المطمورة نسجت عليها عناكب النسيان، فمحيت وما كان يلوح إلا رسمها. وبادت فلا يبقى منها إلا اسمها.
نعم: بقي بعضها إلى القرون الأواخر لكن فقد كأنه صعد به إلى السماء أو اختطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق، وما يبقى بأيدينا من هذه الثروة الضخمة إلا نزر يسير لم يبلغ عددها عشرين. وهذه البقية أيضا غار نجمها في ستار سخافة الطبع من كثرة الأغلاط والسقطات والتحريفات ونشرت على صورة مشوهة لا يرضى عنها العلم ولا العلماء، لأنه طبع أكثرها بأيدي الذين لم يعرفوا قيمة العلم ولا قيمة الكتاب ولا خبرة لهم بالفن.
فأمست كتب هذا المؤلف الفذ تراثا نهبا، وعلما ضايعا، بعد ما أصبحت علما ناجعا وبرهانا ساطعا، ونورا وهدى وضياء، ومفخرا للأمة، وشاهدا على تقدمها