فلما مثل لي أسرعت إلى تلقيه فأكببت عليه ألثم كل جارحة منه، فقال لي:
مرحبا بك يا أبا إسحاق لقد كانت الأيام تعدني وشك لقائك والمعاتب بيني وبينك على تشاحط الدار وتراخى المزار (1)، تتخيل لي صورتك حتى كانا لم نخل طرفة عين من طيب المحادثة، وخيال المشاهدة، وأنا أحمد الله ربي ولي الحمد على ما قيض من التلاقي ورفه من وكربة التنازع (2) والاستشراف عن أحوالها متقدمها ومتأخرها.
فقلت: بأبي أنت وأمي ما زلت أفحص عن أمرك بلدا فبلدا منذ استأثر الله بسيدي أبي محمد عليه السلام فاستغلق علي ذلك حتى من الله علي بمن أرشدني إليك ودلني عليك، والشكر لله على ما أوزعني (3) فيك من كريم اليد والطول، ثم نسب نفسه وأخاه موسى (4) واعتزل بي ناحية، ثم قال: إن أبي عليه السلام عهد إلي أن لا أوطن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها إسرارا لامري، وتحصينا لمحلي لمكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الأمم الضوال، فنبذني إلى عالية الرمال، وجبت صرائم الأرض (5) ينظرني الغاية التي عندها يحل الامر وينجلي الهلع (6).