وكان يسبق الركب كلهم، فكان إذا اشتد الحر جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلم عليه فتقف على رأسه لا تفارقه، وكانت ربما أمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه وهي تسير معنا وضاق الماء بنا في طريقنا حتى كنا لا نصيب قربة إلا بدينارين، وكنا حيث ما نزلنا تمتلئ الحياض ويكثر الماء وتخضر الأرض، فكنا في كل خصب وطيب من الخير، وكان معنا قوم قد وقفت جمالهم فمشى إليها رسول الله صلى الله عليه وآله ومسح يده عليها فسارت، فلما قربنا من بصرى الشام (1) إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة السريعة حتى إذا قربت منا وقفت وإذا فيها راهب وكانت السحابة لا تفارق رسول الله صلى الله عليه وآله ساعة واحدة وكان الراهب لا يكلم الناس ولا يدري ما الركب ولا ما فيه من التجارة، فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وآله عرفه فسمعته يقول: إن كان أحد فأنت أنت قال: فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الراهب قليلة الا غصان ليس لها حمل، وكانت الركبان ينزلون تحتها فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وآله اهتزت الشجرة وألقت أغصانها (2) على رسول الله صلى الله عليه وآله وحملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة فاكهتان للصيف وفاكهة للشتاء، فتعجب جميع من معنا من ذلك، فلما رأى بحيرى الراهب ذلك ذهب فاتخذ لرسول الله صلى الله عليه وآله طعاما بقدر ما يكفيه.
ثم جاء وقال: من يتولى أمر هذا الغلام؟ فقلت: أنا، فقال: أي شئ تكون منه؟ فقلت: أنا عمه فقال: يا هذا إن له أعمام فأي الأعمام أنت؟ فقلت: أنا أخو أبيه من أم واحدة، فقال: أشهد أنه هو وإلا فلست بحيرى، ثم قال لي: يا هذا تأذن لي أن أقرب هذا الطعام منه ليأكله؟ فقلت له: قربه إليه، ورأيته كارها لذلك، والتفت إلى