أبو طالب: ولم ذلك؟ قال: لأنه كائن لابن أخيك هذه النبوة والرسالة ويأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى، فقال أبو طالب: كلا إن شاء الله لم يكن الله ليضيعه.
ثم خرجنا به إلى الشام فلما قربنا من الشام رأيت والله قصور الشامات كلها قد اهتزت وعلا منها نور أعظم من نور الشمس، فلما توسطنا الشام ما قدرنا أن نجوز سوق الشام من كثرة ما ازدحموا الناس وينظرون إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله، وذهب الخبر في جميع الشامات حتى ما بقي فيها حبر ولا راهب إلا اجتمع عليه، فجاء حبر عظيم كان اسمه نسطورا فجلس حذاه ينظر إليه ولا يكلمه بشئ حتى فعل ذلك ثلاثة أيام متوالية فلما كانت الليلة الثالثة لم يصبر حتى قام إليه فدار خلفه كأنه يلتمس منه شيئا فقلت له: يا راهب كأنك تريد منه شيئا؟ فقال: أجل إني أريد منه شيئا ما اسمه؟ قلت:
محمد بن عبد الله فتغير والله لونه، ثم قال: فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لأنظر إليه، فكشف عن ظهره، فلما رأى الخاتم انكب عليه يقبله ويبكي، ثم قال: يا هذا أسرع برد هذا الغلام إلى موضعه الذي ولد فيه فإنك لو تدري كم عدو له في أرضنا لم تكن بالذي تقدمه معك، فلم يزل يتعاهده في كل يوم ويحمل إليه الطعام، فلما خرجنا منها أتاه بقميص من عنده فقال لي: أترى أن يلبس هذا القميص ليذكرني به، فلم يقبله ورأيته كارها لذلك، فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتم وقلت: أنا ألبسه وعجلت به حتى رددته إلى مكة، فوالله ما بقي بمكة يومئذ امرأة ولا كهل ولا شاب ولا صغير ولا كبير إلا استقبلوه شوقا إليه ما خلا أبو جهل - لعنه الله - فإنه كان فاتكا ماجنا (1) قد ثمل من السكر (2).