في الفضل، وإذا أراد أن يدل على علمه قال: إنه واحد في علمه، فلو دل قوله:
واحد بمجرده على الفضل والعلم كما دل بمجرده على الكمية لكان كل من أطلق عليه لفظ واحد أراد فاضلا لا ثاني له في فضله وعالما لا ثاني له في علمه وجوادا لا ثاني له في جوده، فلما لم يكن كذلك صح أنه بمجرده لا يدل إلا على كمية الشئ دون غيره وإلا لم يكن لما أضيف إليه من قول القائل: واحد عصره ودهره معنى، ولا كان لتقييده بالعلم والشجاعة معنى، لأنه كان يدل بغير تلك الزيادة وبغير ذلك التقييد على غاية الفضل وغاية العلم والشجاعة، فلما احتيج معه إلى زيادة لفظ و احتيج إلى التقييد بشئ صح ما قلناه، فقد تقرر أن لفظة القائل: واحد إذا قيل على الشئ دل بمجرده على كميته في اسمه الأخص، ويدل بما يقترن به على فضل المقول عليه وعلى كماله وعلى توحده بفضله وعلمه وجوده، وتبين أن الدرهم الواحد قد يكون درهما واحدا بالوزن، ودرهما واحدا بالعدد ودرهما وحدا بالضرب، وقد يكون بالوزن درهمين وبالضرب درهما واحدا، وقد يكون بالدوانيق ستة دوانيق وبالفلوس ستين فلسا ويكون بالأجزاء كثيرا، وكذلك يكون العبد عبدا واحدا ولا يكون عبدين بوجه، ويكون شخصا واحدا ولا يكون شخصين بوجه، ويكون أجزاء كثيرة وأبعاضا كثيرة، وكل بعض من أبعاضه يكون جواهر كثيرة متحدة اتحد بعضها ببعض، وتركب بعضها مع بعض، ولا يكون العبد واحدا وإن كان كل واحد منا في نفسه إنما هو عبد واحد، وإنما لم يكن العبد واحدا لأنه ما من عبد إلا وله مثل في الوجود أو في المقدور، وإنما صح أن يكون للعبد مثل لأنه لم يتوحد بأوصافه التي من أجلها صار عبدا مملوكا، ووجب لذلك أن يكون الله عز وجل متوحدا بأوصافه العلى وأسمائه الحسنى، ليكون إلها واحدا ولا يكون له مثل، ويكون واحدا لا شريك له ولا إله غيره، فالله تبارك وتعالى واحد لا إله إلا هو، وقديم واحد لا قديم إلا هو، وموجود واحد ليس بحال ولا محل ولا موجود كذلك إلا هو، وشئ واحد لا يجانسه شئ، ولا يشاكله شئ، ولا يشبهه شئ، ولا شئ كذلك إلا هو، فهو كذلك موجود غير منقسم في الوجود ولا في الوهم،