فيه أصل النكاح وما ذكروه لا يصح لأن الأب في العادة هو الذي يقوم بتأديب ابنه وتخريجه وحفظ نسبه فإذا لم يكن في بلده ضاع فأشبه ما لو كان في قرية. وان انتقلا جميعا إلى بلد واحد فالأم باقية على حضانتها وكذلك إن اخذه الأب لافتراق البلدين ثم اجتمعا عادت إلى الام حضانتها وغير الام ممن له الحضانة من النساء يقوم مقامها وغير الأب من عصبات الولد يقوم مقامه عند عدمهما أو كونهما من غير أهل الحضانة (فصل) وإذا بلغ الغلام سبع سنين خير بين أبويه فكان مع من اختار منهما إذا لم يكن معتوها وتنازعا فيه فمن اختاره منهما فهو أولى به قضى بذلك عمر وعلي وشريح وهو مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك لا يخير قال أبو حنيفة إذا استقل بنفسه وليس بنفسه واستنجى بنفسه فالأب أحق به وقال مالك الام أحق به حتى يثغر واما التخيير فلا يصح فإن الغلام لا قول له ولا يعرف حظه وربما اختار من يلعب عنده ويترك تأديبه ويمكن من شهواته فيؤدي إلى افساده ولأنه دون البلوغ فلم يخير كمن دون السبع ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه. رواه سعيد والشافعي، وفي لفظ عن أبي هريرة قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عتبة وقد نفعني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت " فأخذ بيد أمه فانطلقت به. رواه أبو داود، ولأنه اجماع الصحابة فروي عن عمر انه خير غلاما بين أبيه وأمه رواه سعيد وروي عن عمارة الحرمي أنه قال: خيرني علي بين عمي وأمي وكنت ابن سبع أو ثمان، وروي نحو ذلك عن أبي هريرة وهذه قصص في مظنة الشهرة ولم تنكر فكانت اجماعا ولان التقديم في الحضانة لحق الولد فيقدم من هو أشفق لأن حظ الولد عنده أكبر واعتبرنا الشفقة بمظنها إذ لم يمكن اعتبارها بنفسها فإذا بلغ الغلام حدا يعرب عن نفسه ويميز بين الاكرام وضده فمال إلى أحد الأبوين دل على أنه أرفق به وأشفق عليه فقدم بذلك وقيدناه بالسبع لأنها أول حال أمر الشارع فيها بمخاطبته بالامر بالصلاة ولان الام قدمت في حال الصغر لحاجته إلى حمله ومباشرة خدمته ولأنها أعرف بذلك وأقوم به فإذا استغني عن ذلك تساوى والده لقربهما منه فرجح باختياره (مسألة) (فإن اختار أباه كان عنده ليلا ونهارا وإن اختار أمه كان عندها ليلا وعند أبيه نهارا ليعلمه الصناعة والكتابة ويؤدبه) إذا اختار الغلام أباه كان عنده ليلا ونهارا ولا يمنع من زيارة أمه لأن منعه ذلك اغراء بالعقوق
(٥٢٤)