الشرح الكبير - عبد الرحمن بن قدامه - ج ١١ - الصفحة ٥٢٣
طلقت فإنه يعود حقها من الحضانة كذلك هذا وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي إلا أن أبا حنيفة والمزني قالا إن كان رجعيا لم يعد حقها لأن الزوجية قائمة فأشبه ما لو كانت في صلب النكاح ولنا أنها مطلقة فعاد حقها من الحضانة كالبائن، وقولهم هي زوجه قلنا إلا أنه قد عزلها عن فراشه ولم يبق لها عليه قسم ولا لها به شغل فأشبهت البائن ويخرج لنا مثل قولهما لكون النكاح قبل الدخول مزيلا لحق الحضانة مع عدم القسم والشغل بالزوج (فصل) ولا تثبت الحضانة إلا على الطفل والمعتوه فاما البالغ الرشيد فلا حضانة عليه واليه الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه فإن كان رجلا فله الانفراد بنفسه لاستغنائه عنهما، ويستحب أن لا ينفرد عنهما ولا يقطع بره لهما فاما الجارية فليس لها الانفراد ولأبيها منعها منه لأنه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها ويلحق العار بها وبأهلها فإن لم يكن لها أب قام أولياؤها مقامه (مسألة) (ومتى أراد أحد الأبوين النقلة إلى بلد بعيد آمن ليسكنه فالأب أحق وعنه الام أحق فإن اختل شرط منها فالمقيم منها أحق) وجملة ذلك أن أحد الأبوين إذا أراد السفر لحاجة ثم يعود والآخر مقيم فالمقيم أولى بالحضانة لأن في المسافرة بالولد إضرارا به وإن كان منتقلا إلى بلد ليقيم به وكان الطريق مخوفا أو البلد الذي ينتقل إليه مخوفا فالمقيم أحق به لأن في السفر به خطرا ولو اختار الولد السفر في هذه الحال لم يجب إليه لأن فيه تعزيرا به وإن كان البلد الذي ينتقل إليه آمنا وطريقه آمن فالأب أحق به سواء كان هو المقيم أو المنتقل فإن كان بين البلدين قرب بحيث يراهم الأب كل يوم ويرونه فتكون الام على حضانتها، وقال القاضي إذا كان السفر دون مسافة القصر فهو في حكم الإقامة، وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأن ذلك في حكم الإقامة في غير هذا الحكم فكذلك في هذا ولان مراعاة الأب له ممكنة والمنصوص عن أحمد ما ذكرناه قال شيخنا: وهو أولى لأن البعد الذي يمنعه من رؤيته يمنعه من تأديبه وتعليمه ومراعاة حاله فأشبه مسافة القصر وبما ذكرناه من تقديم الأب عند افتراق الدار بهما. قال شريح ومالك والشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن الام أحق لأنها أتم شفقة أشبه ما لو لم يسافر واحد منهما وقال أصحاب الرأي ان انتقل الأب فالأم أحق به ولذلك أن انتقلت الام إلى البلد الذي كان فيه أصل النكاح فهي أحق، وان انتقلت إلى غيره فالأب أحق وحكي عن أبي حنيفة ان انتقلت من بلد إلى قرية فالأب أحق وان انتقلت إلى بلد آخر فهي أحق لأن في البلد يمكن تعليمه وتخريجه ولنا انه اختلف مسكن الأبوين فكان الأب أحق كما لو انتقلت من بلد إلى قرية أو إلى بلد لم يكن
(٥٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 516 517 518 519 520 521 522 523 524 525 526 » »»
الفهرست