لما روى سعيد بن جبير قال: ذكرت لابن عباس اهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الاحرام حين فرغ من صلاته، ثم خرج فلما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته واسوت به قائمة أهل فأدرك ذلك منه قوم فقالوا: أهل حين استوت به راحلته وذلك أنهم لم يدركوا إلا ذلك ثم سار حتى علا البيداء فأهل فأدرك ذلك منه ناس فقالوا: أهل حين علا البيداء. رواه أبو داود والأثرم وهذا لفظه، وهذا فيه بيان وزيادة فتعين حمل الامر عليه، ولو لم يقله ابن عباس لتعين حمل الامر عليه جمعا بين الاخبار المختلفة وعلى سبيل الاستحباب، وكيفما أحرم جاز.
لا نعلم أحدا خالف في ذلك (مسألة) (وينوي الاحرام بنسك معين ولا ينعقد الا بالنية) يستحب أن يعين ما يحرم به من الانساك، وبه قال مالك وقال الشافعي في أحد قوليه الاطلاق أولى لما روى طاوس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمي حجا ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم أهل ولم يكن معه هدي أن يجعلوها عمرة ولان ذلك أحوط لأنه لا يأمن الاحصار أو تعذر فعل الحج فيجعلها عمرة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالاحرام بنسك معين فقال " من شاء منكم أن يهل بالحج أو عمرة فليهل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل " والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما أحرموا بمعين لما نذكره إن شاء الله تعالى في الأحاديث الصحيحة، ولان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه في صحبته يطلعون على أحواله ويقتدون به أعلم به من طاوس، ثم إن حديثه مرسل والشافعي لا يحتج بالمراسيل فكيف صار إليه مع مخالفة الروايات الصحيحة المسندة والاحتياط ممكن بأن يجعلها عمرة، فإن شاء كان متمتعا، وإن شاء أدخل عليها الحج فصار قارنا (فصل) وينوي الاحرام بقلبه ولا ينعقد الا بالنية لقول البني صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) ولأنها عبادة محضة فافتقرت إلى النية كالصلاة فإن لبى من غير نية لم يصر محرما لما ذكرنا وان اقتصر على النية كفاه ذلك وهو قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا ينعقد بمجرد النية حتى يضاف إليها التلبية أو سوق الهدي لما روى خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جاءني جبريل فقال يا محمد مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية قال الترمذي هذا حديث حسن ولأنها