والحاصل: أن الاقرار يصح مطلقا بلا قبول ولا يلزم لو كان المقر له غائبا ولعدم لزومه جاز أن يقر به لغيره قبل حضوره فاجتمعت كلمتهم على أن القبول ليس من شرط صحة الاقرار، وأما لزومه فشئ آخر، والمصنف لم يفرق بين الصحة واللزوم فاستشكل في منحه على الصحة المجتمعة عليها كلمتهم باللزوم. وأما ما أجاب به المجيب المذكور ففيه نظر، إذ لو كان كما فهمه لما افترق الاقرار للحاضر والغائب مع أن بينهما فرقا في الحكم، ألا ترى إلى قوله في الخانية: ولو أقر لولده الكبير الغائب أو أجنبي بعد قوله وأما الاقرار للغائب لا يلزم، فالذي يظهر أن الاقرار للغائب لا يلزم من جانب المقر حتى صح إقراره لغيره كما لا يلزم من جانب المقر له حتى رده. وأما الاقرار للحاضر فيلزم من جانب المقر حتى لا يصح إقراره به لغيره قبل رده ولا يلزم من جانب المقر له فيصح رده، وأما الصحة فلا شبهة فيها في الجانبين بدون القبول كما يفهم من كلامهم انتهى.
وفيه: ويشكل على ما في الفصول العمادية من قوله: وإن ادعى الرجل عينا في يد رجل وأراد استحلافه فقال صاحب اليد هذه العين لفلان الغائب لا يندفع اليمين عنه ما لم يقم البينة على ذلك، بخلاف ما إذا قال هذا لابني الصغير. والفرق أن إقراره للغائب توقف عمله على تصديق الغائب فلا يكون العين مملوكا له بمجرد إقرار ذي اليد فلا يندفع اليمين. وأما إقراره للصبي فلا يتوقف على تصديق الصبي فيصير العين ملكا للصبي بمجرد إقراره فلا يصح إقراره بعد ذلك لغيره فلا يفيد التحليف لان فائدته النكول الذي هو كالاقرار.
أقول: لا يشكل ذلك، فإن قوله توقف عمله صريح في صحته ولكن لما توقف عمل وهو اللزوم على تصديقه لم تندفع اليمين بمجرده ما لم يقم البينة عليه. تأمل. قوله: (إذا ملكه برهة من الزمان) أي قليلا من الزمان، حتى لو تصرف فيه لغير المقر له بعد ملكه لا ينفذ تصرفه وينقض لتصرفه في ملك غيره كما يؤخذ من القواعد.
ويؤخذ من هذا الفرع كما قال أبو السعود: أنه لو ادعى شخص عينا في يد غيره فشهد له بها شخص فردت شهادته لتهمة ونحوها كتفرد الشاهد ثم ملكها الشاهد يؤمر بتسليمها إلى المدعي انتهى.
قوله: (لما صح) أي إقراره للغير: أي ولو ملكه بعد. قوله: (لما صح) (ولا يرجع بالثمن) على البائع: أي لاقتصار إقراره عليه فلا يتعدى لغيره. قوله: (صارت وقفا) بخلاف ما إذا غصب دارا من رجل فوقفها ثم اشتراها حيث لا يجوز وقفه. والفرق أن فعل الغاصب إنشاء في غير ملكه فلا يصح، لان شرط صحته ملكه له، بخلاف الاقرار لكونه إخبارا لا إنشاء. قوله: (مكرها) حال من الضمير المضاف إليه الاقرار، وإنما لم يصح إقراره بها مكرها لقيام دليل الكذب وهو الاكراه والاقرار إخبار يحتمل الصدق والكذب فيجوز تخلف مدلوله الوضعي عنه. منح. قوله: (ولو كان إنشاء لصح لعدم التخلف) أي تخلف مدلول الانشاء عنه: أي لأنه يمتنع في الانشاء تخلف مدلول لفظه الوضعي عنه: