المستهلكة). وهو مخالف لما في الخانية: رجل في يده جارية وولدها أقر أن الجارية لفلان لا يدخل فيه الولد، ولو أقام بينة على جارية أنها له يستحق أولادها ا ه. والفرق أنه بالبينة يستحقها من الأصل، ولذا قلنا: إن الباعة يتراجعون فيما بينهم، بخلاف الاقرار حيث لا يتراجعون.
بقي أن يقال في قول السيد الحموي هو إخبار في الأصح وليس بإنشاء مخالفة لما صرح به في البحر وجرى عليه المصنف من أنه إخبار من وجه إنشاء من وجه فللأول يصح إقراره بمملوك الغير ويلزمه تسليمه إذا ملكه، ولو أقر بالطلاق والعتاق مكرها لا يصح، وللثاني لو رد إقراره ثم قبل لا يصح، وكذا الملك الثابت بالاقرار لا يظهر في حق الزوائد المستهلكة فلا يملكها المقر له. ا ه. من غير ذكر خلاف، ومنه تعلم أن ما ذكره السيد الحموي مما يدل على ثبوت الخلاف فيه حيث صحح كونه إخبار الانشاء لا يصح عزوه لصاحب البحر كما وقع في كلام بعضهم، فتنبه. قوله: (بحق عليه للغير) قيده بأن يكون عليه، لأنه لو كان على غيره لغيره يكون شهادة ولنفسه يكون دعوى زيلعي، وأطلق الحق في قوله هو إخبار بحق عليه ليشمل ما لو كان الحق المقر به من قبيل الاسقاطات كالطلاق والعتاق، إذا الطلاق رفع القيد الثابت شرعا بالنكاح، فإذا أقر بالطلاق يثبت للمرأة من الحق ما لم يكن لها من قبل، وكذا العبد يثبت له على سيده حق الحرية إذا أقر سيده بعتقه، فما قيل من أنه يرد على التعريف الاقرار بالاسقاطات كالطلاق والعتاق لعدم الاخبار فيها عن ثبوت حق للغير غير سديد.
قوله: (إنشاء من وجه) هو الصحيح، وقيل: إنشاء وينبني عليه ما سيأتي لكن المذكور في غاية البيان عن الاستروشنية. قال الحلواني: أختلف المشايخ في أن الاقرار سبب للملك أو لا؟ قال ابن الفضل:
لا، واستدل بمسألتين.
إحداهما المريض الذي عليه دين إذا أقر بجميع ماله لأجنبي يصح بلا إجازة الوارث، ولو كان تمليكا لا ينفذ إلا بقدر الثلث عند عدم الإجازة.
والثانية أن العبد المأذون إذا أقر لرجل بعين في يده يصح، ولو كان تمليكا يكون تبرعا منه فلا يصح. وذكر الجرجاني أنه تمليك واستدل بمسائل: منها إن أقر لوارثه بدين في المرض لا يصح، ولو كان إخبارا لصح ا ه. ملخصا فظهر أن ما ذكره المصنف وصاحب البحر جمع بين الطريقتين وكأن وجهه ثبوت ما استدل به الفريقان. تأمل أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى. لكن لو كان إخبارا من وجه وإنشاء من وجه كما ذكره المصنف لعرف بحد يشملها ولا قائل به، ولأنهم قالوا: لو أقر بمال للغير لزمه تسليمه للمقر له إذا ملكه، ولو أقر بالطلاق والعتاق الخ فأمثال هذه المسائل دلت على أن الاقرار إخبار لا إنشاء. إذ لو كان إنشاء لم تكن كذلك، وما استدل به على كونه إنشاء مطلقا أو من وجه أنه لو أقر لرجل فرد إقراره ثم قبل لم يصح ولو كان إخبارا لصح، وأنه لو ثبت الملك بسبب الاقرار لم يظهر في حق الزوائد المتقدم ذكرها، ولو كان إخبارا لصارت مضمونة عليه.
أقول: أما الجواب عن الأول فهو أن ارتداده بالرد ناشئ من أن حكمه الظهور لا الثبوت ابتداء وذلك ناشئ من كونه حجة قاصرة، فلما صار مرتدا بالرد جعل كأنه لم يكن فلذلك لم يصح قبوله بعده. على أن هذا الدليل مشترك الالزام حيث إنه دليل على أنه ليس بإنشاء، إذ الانشاء مما لا يرتد بالرد فيما يكون من قبيل الاسقاطات، كما لو قال هذا الولد مني يرتد برد الولد فهذا دليل على أن الاقرار إخبار ثم عاد الولد إلى التصديق يثبت النسب نظرا إلى احتياج المحل، وقد سبق.