البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٥٤٧
العصر ا ه‍. وهذا هو الواقع في عرف أهل مصر لأنهم يسمون ما يأكلونه بعد الزوال وسطانية. قيد بالعشاء لأن السحور هو الاكل بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر مأخوذ من السحر وهو قريب السحر لكن روى المعلى عن محمد فيمن حلف لا يكلمه إلى السحر قال:
إذا دخل ثلث الليل الأخير فليكلمه لأن وقت السحر ما قرب من الفجر. وقال هشام عن محمد: المساء مساءان: أحدهما إذا زالت الشمس ألا ترى أنك تقول إذا زالت كيف أمسيت.
والمساء الآخر إذا غربت الشمس فإذا حلف بعد الزوال لا يفعل كذا حتى يمسي كان ذلك على غيبوبة الشمس لأنه لا يمكن حمل اليمين على المساء الأول فيحمل على الثاني، كذا في البدائع.
قوله: (إن لبست أو أكلت أو شربت ونوى معينا لم يصدق أصلا) أي لا قضاء ولا ديانة لأن النية إنما تصح في الملفوظ، والثوب والطعام والماء غير مذكور تنصيصا والمقتضى بالفتح لا عموم له فلغت نية التخصيص فيه كما في الهداية وغيرها، فحنث بأي شئ أكل أو شرب أو لبس. وتعقبهم في فتح القدير بأن التحقيق أن المفعول في لا آكل ولا ألبس ليس من باب المقتضى لأن المقتضى ما يقدر لتصحيح المنطوق وذلك بأن يكون الكلام مما يحكم بكذبه على ظاهره مثل رفع الخطأ والنسيان أو بعدم صحته شرعا مثل أعتق عبدك عني، وليس قول القائل لا آكل يحكم بكذب قائله بمجرده ولا متضمنا حكما يصح شرعا، نعم المفعول أعني المأكول من ضروريات وجود فعل الاكل ومثله ليس من باب المقتضى وإلا كان كل كلام كذلك إذ لا بد أن يستدعي معناه زمانا أو مكانا فكان لا يفرق بين قولنا الخطأ والنسيان مرفوعان وبين قام زيد وجلس عمرو فإنما هو من باب حذف المفعول اقتصارا أو تناسيا. وطائفة من المشايخ وإن فرقوا بين المقتضى والمحذوف وجعلوا المحذوف يقبل العموم قلنا لك أن تقول: إن عمومه لا يقبل التخصيص، وقد صرح من المحققين جمع بأن من العمومات ما لا يقبل التخصيص مثل المعاني إذا قلنا بأن العموم من عوارض المعاني كما هو من عوارض الألفاظ وغير ذلك فكذلك هذا المحذوف إذ ليس في حكم المنطوق لتناسيه وعدم الالتفات إليه إذ ليس الغرض إلا الاخبار بمجرد الفعل على ما عرف أن الفعل المتعدي قد ينزل منزلة اللازم لما قلنا، والاتفاق على عدم صحة التخصيص في باب المتعلقات من الزمان والمكان حتى لو نوى لا يأكل في مكان دون آخر أو زمان لا تصح نيته بالاتفاق ا ه‍.
وفي البدائع: حلف لا يركب ونوى الخيل لا يصدق قضاء ولا ديانة. وفي فتح القدير:
حلف لا يغتسل أو لا ينكح وعنى من جنابة أو امرأة دون امرأة لا يصدق أصلا، وكذا لا يسكن دار فلان وعنى بأجر ولم يسبق قبل ذلك كلام بأن استأجرها منه أو استعارها فأبى فحلف ينوي السكن بالإجارة والإعارة لا يصح أصلا. وكذلك لو حلف لا يتزوج امرأة ونوى كوفية أو بصرية لا يصح لأنه نية تخصيص الصفة، ولو نوى حبشية أو عربية صحت
(٥٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 542 543 544 545 546 547 548 549 550 551 552 ... » »»
الفهرست