البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٥٤٢
وهذا استحسان اعتبارا للعرف، وهذا لأن التعميم متعذر فيصرف إلى خاص وهو متعارف وهو اللحم المطبوخ بالماء إلا إذا نوى غير ذلك لأن فيه تشديدا، وإن أكل من مرقه يحنث لما فيه من أجزاء اللحم ولأنه يسمى طبيخا وإن كان لا يسمى لحما كما قدمناه. وفي البدائع:
حلف لا يأكل من طبيخ امرأته فسخنت له قدرا قد طبخها غيرها أنه لا يحنث لأن الطبخ فعل من طبخ وهو الفعل الذي يسهل به أكل اللحم وذلك وجد من الأول لا منها اه‍. وفي التجريد: قيل اسم الطبخ يقع بوضع القدر لا بإيقاد النار، وقيل لو أوقد غيرها فوضعت هي القدر لا يحنث اه‍. وفي عرفنا ليس واضع القدر طابخا قطعا ومجرد الايقاد كذلك، ومثله يسمى صبي الطباخ يعني معينه، والطباخ هو المركب بوضع التوابل وإن لم يوقد، كذا في فتح القدير. ويرد على المصنف شيئان: الأول أن الطبيخ ليس هو اللحم خاصة وإنما هو ما يطبخ بالماء من اللحم حتى أن ما يتخذ قلية من اللحم لا يسمى طبيخا فلا يحنث به كما صرح به في التبيين وغيره. فإن قيل إنه أراد به المطبوخ بالماء قلنا: لا يصح ذلك في الشواء لأنه لا يحنث فيه إذا أكل لحما مطبوخا بالماء لأن اللحم المشوي هو الذي لم يطبخ بالماء وقد جعلهما واحدا. والثاني أن الطبيخ لا يختص بالمطبوخ من اللحم لما في الخلاصة أنه يحنث بالأرز إذا طبخ بودك، وكذا العدس كما في الظهيرية بخلاف ما إذا طبخ بزيت أو سمن. قال ابن سماعة: الطبيخ يقع على الشحم أيضا. زاد في البدائع أنه يقع على ما طبخ بالألية أيضا. قال في فتح القدير: ولا شك أن اللحم بالماء طبيخ وإنما الكلام في أنه المتعارف الظاهر أنه لا يختص به اه‍. وأشار المصنف رحمه الله إلى أنه لو أكل سمكا مطبوخا لا يحنث لأنه لا يسمى طبيخا في العرف كما صرح به في البدائع. وفي المغرب: الودك من الشحم أو اللحم ما تحلب منه وقول الفقهاء ودك الميتة من ذلك اه‍. وحاصله أنه الدهن الخاص وهو دهن الشحم أو اللحم. قال في تهذيب القلانسي: وما يطبخ مع الادهان يسمى مزورة اه‍.
ومراده غير دهن اللحم والشحم كما قدمناه. فعلى هذا لو حلف لا يأكل طبيخا لا يحنث بأكل المزروة التي تفعل للمريض. قيد المصنف بالطبيخ لأنه لو حلف لا يأكل طعاما فأكل خبزا أو فاكهة أو غير ذلك مما يؤكل على وجه التطعم كان حانثا، وإن أكل ما له طعم لكن لا يؤكل على وجه التطعم كالسقمونيا ونحو ذلك لا يحنث في يمينه. كذا في الخانية وفي الظهيرية: حلف لا يأكل طعاما فأكل ملحا أو خلا أو كامخا أو زيتا يحنث في يمينه، هكذا رواه ابن رستم عن محمد. وقال: كل شئ يؤكل فهو طعام فقد جعل محمد الخل طعاما.
وقال أبو يوسف: الخل ليس بطعام. قال القدوري في كتابه: وحقيقة الطعام ما يطعم ولكن يختص في العرف ببعض الأشياء، فإن السقمونيا وما أشبه ذلك من الأدوية الكريهة لا تسمى طعاما اه‍. وفي البدائع: لو حلف لا يأكل طعاما فأكل شيئا يسيرا يحنث لأن قليل الطعام طعام وفي المحيط: لو حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من نبيذه لم يحنث والنبيذ شراب
(٥٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 537 538 539 540 541 542 543 544 545 546 547 ... » »»
الفهرست