البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٥٠١
باب اليمين في الدخول والخروج والسكنى والآتيان وغير ذلك شروع في بيان الافعال التي يحلف عليها ولا سبيل إلى حصرها لكثرتها لتعلقها باختيار الفاعل فنذكر القدر الذي ذكره أصحابنا في كتبهم والمذكور نوعان: أفعال حسية وأمور شرعية. وبدأ بالأهم وهو الدخول ونحوه لأن حالة الحلول في مكان ألزم للجسم من أكله وشربه، وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا الباب من الافعال خمسة: الدخول والخروج والسكنى والآتيان والركوب. والأصل أن الايمان مبنية على العرف عندنا لا على الحقيقة اللغوية كما نقل عن الشافعي، ولا على الاستعمال القرآني كما عن مالك، ولا على النية مطلقا كما عن أحمد لأن المتكلم إنما يتكلم بالكلام العرفي أعني الألفاظ التي يراد بها معانيها التي وضعت في العرف كما أن العربي حال كونه من أهل اللغة إنما يتكلم بالحقائق اللغوية فوجب صرف ألفاظ المتكلم إلى ما عهد أنه المراد بها. ثم من المشايخ من جرى على هذا الاطلاق فحكم بالفرع الذي ذكره صاحب الذخيرة والمرغيناني وهو ما إذا حلف لا يهدم بيتا فهدم بيت العنكبوت أنه يحنث بأنه خطأ. ومنهم من قيد حمل الكلام على العرف بما إذا لم يمكن العمل بحقيقته ولا يخفى أن هذا يصير المعتبر الحقيقة اللغوية إلا ما كان من الألفاظ ليس له وضع لغوي بل أحدثه أهل العرف، وأن ماله وضع لغوي ووضع عرفي يعتبر معناه اللغوي وإن تكلم به متكلم من أهل العرف، وهذا يهدم قاعدة حمل الايمان على العرف فإنه لم يصير المعتبر إلا اللغة إلا ما تعذر وهذا بعيد إذ لا شك أن المتكلم لا يتكلم الا بالعرف الذي به التخاطب، سواء كان عرف اللغة إن كان من أهل اللغة أو غيرها إن كان من غيرها.
نعم ما وقع استعماله مشتركا بين أهل اللغة وأهل العرف تعتبر اللغة على أنها العرف، وأما الفرع المذكور فالوجه فيه أنه إن كان نواه في عموم بيتا حنث، وإن لم يخطر له وجب أن لا يحنث لانصراف الكلام إلى المتعارف عند إطلاق لفظ بيت. وظهر أن مرادنا بانصراف الكلام إلى العرف أنه إذا لم يكن له نية كان موجب الكلام ما هو معنى عرفيا له، وإن كان له نية شئ واللفظ يحتمله انعقد اليمين باعتباره، كذا في فتح القدير. وفي الحاوي الحصيري:
والمعتبر في الايمان الألفاظ دون الأغراض. وفي الظهيرية من الفصل الثالث من الهبة: رجل
(٥٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 506 ... » »»
الفهرست