البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٥٨٠
باب اليمين في البيع والشراء والتزويج والصوم والصلاة وغيرها لما كانت الايمان على هذه التصرفات أكثر منها على الصلاة والصوم والحج وما بعدها قدمها عليها. والحاصل أن كل باب فوقوعه أقل مما قبله وأكثر مما بعده. واعلم أن العقود أنواع ثلاثة: منها ما يتعلق حقوقه بمن وقع له العقد لا بالعاقد كالنكاح، ومنها ما يتعلق حقوقه بالعاقد إذا كان العاقد أهلا لتعلق الحقوق به كالبيع والشراء، ومن العقود ما لا حقوق له أصلا كالإعارة والابراء والقضاء والاقتضاء، كذا في فتاوى قاضيخان. وهذا أولى مما في التبيين وفتح القدير وغيرهما من تقسيمها إلى نوعين: نوع تتعلق حقوقه بالعاقد، ونوع لا تتعلق حقوقه بالآمر. فإنه يخرج عنها ما ليس له حقوق أصلا فما تتعلق حقوقه بالعاقد فإن الحالف لا يحنث بمباشرة وكيله لوجود الفعل من الوكيل حقيقة وحكما، وما تتعلق حقوقه بالآمر وما لا حقوق له أصلا فإنه يحنث الحالف أن لا يفعله بفعل وكيله كما يحنث بمباشرته لأن الوكيل فيه سفير ومعبر، وقد جعل في المحيط العارية ونحوها مما تتعلق حقوقها بالآمر.
قوله: (ما يحنث بالمباشرة لا بالآمر البيع والشراء والإجارة والاستئجار والصلح عن مال والقسمة والخصومة وضرب الولد) لأن العقد وجد من العاقد حتى كانت الحقوق عليه ولهذا لو كان العاقد هو الحالف يحنث في يمينه فلم يوجد ما هو الشرط وهو العقد من الآمر وإنما الثابت له حكم العقد إلا أن ينوي غير ذلك. أطلقه المصنف وهو مقيد بما إذا كان الحالف يتولى العقود بنفسه، أما إذا كان الحالف ذا سلطان كالأمير والقاضي ونحوهما لا يتولى العقد بنفسه فإنه يحنث بالامر أيضا لأنه يمنع نفسه عما يعتاده، فإن كان الآمر يباشره مرة ويفوض أخرى يعتبر الأغلب كما في المحيط. وأطلق في الصلح عن مال وهو مقيد بأن يكون عن الاقرار لأنه حينئذ بيع، أما الصلح عن إنكار فهو فداء لليمين في حق المدعى عليه فيكون الوكيل من جانبه سفيرا محضا فكان من القسم الثاني كما سنبينه في كتاب الوكالة. فعلى هذا إذا حلف المدعي أن لا يصالح فلانا عن هذه الدعوى أو عن هذا المال فوكل فيه لا يحنث مطلقا، وإذا حلف المدعى عليه ثم وكل به، فإن كان عن إقرار حنث، وإن كان عن انكار أو
(٥٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 575 576 577 578 579 580 581 582 583 584 585 ... » »»
الفهرست