البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ١٩٣
بالاكذاب لعدم وجوبه بمجرد الامتناع من اللعان وهذا هو المذكور في ظاهر الرواية كما نص عليه الحاكم في الكافي. وبه علم أن ما ذكره الولوالجي من وجوب الحد عليه بمجرد امتناعه سهو ليس مذهبا لأصحابنا، وحمله في غاية البيان على أنه قول بعض المشايخ بعيد لتوقفه على النقل ولان الولوالجي ذكر أنها لو امتنعت بعد لعانه تحد حد الزنا ولم يقل به أحد من أصحابنا كما سنوضحه قوله: (فإن لاعن وجب عليها اللعان) لما قدمناه. أفاد أن لعانها مؤخر عن لعانه لأنه في حكم الشاهد عليها بقذفه وهي مسقطة بشهادتها ما حققه عليها من الزنا فلا يصح أن تبتدئ المرأة كما لا يصح أن يبتدئ المدعي عليه بما يسقط الدعوى عن نفسه، كذا في شرح الأقطع. وفي الاختيار: فإن التعنت المرأة أولا ثم الزوج أعادت ليكون على الترتيب المشروع، فإن فرق بينهما قبل الإعادة جاز لأن المقصود تلا عنهما وقد وجد قوله: (فإن أبت حبست حتى تلاعن أو تصدقه) لما قدمناه. ولم يقل أو تصدقه فتحد للزنا كما وقع في بعض نسخ القدوري لكونه غلطا لأن الحد لا يجب بالاقرار مرة فكيف يجب بالتصديق مرة وهو لا يجب بالتصديق أربع مرات لأن التصديق ليس بإقرار قصدا فلا يعتبر في حق وجوب الحد ويعتبر في درئه ليندفع به اللعان ولا يجب به الحد، ولو صدقته في نفي الولد فلا حد ولا لعان وهو ولدهما لأنهما لا يملكان إبطال حقه قصدا، والنسب إنما ينتفي باللعان ولم يوجد.
وبهذا ظهر أن ما قاله في شرح الوقاية وتبعه شارح النقاية من أنها إذا صدقته ينتفي نسب ولدها منه غير صحيح كما نبه عليه في شرح الدرر والغرر، ولم يذكر المؤلف حكم ما إذا امتنعا من اللعان بعد ما ترافعا، صرح الأسبيجابي في شرح الطحاوي أنهما يحبسان إذا امتنعا من اللعان بعد الثبوت وينبغي حمله على ما إذا لم تعف المرأة، أما إذا عفت فإنه لا يحبسهما كما لو عفا المقذوف فإنا وإن قلنا لا يصح العفو في حد القذف واللعان إلا أنهما لا يقامان إلا بطلب كما سنوضحه في باب حد القذف. فإن قلت: ظاهر الآية يشهد للشافعي القائل بأنها إذا امتنعت من اللعان تحد حد الزنا وهي قوله تعالى * (ويدرأ عنها العذاب إن تشهد) * [النور: 6] أي الحد لأن اللام للعهد الذكري أي العذاب المذكور السابق وهو الحد. قلنا:
المراد منه الحبس كقوله تعالى في آية الهدهد * (لأعذبنه) * [النمل: 12] ورد في التفسير لأحبسنه. والاختلاف مبني على أن الأصل في قذف الزوجات عند الشافعي الحد عملا بالآية الأولى وهي قوله تعالى * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم) * [النور: 4] الآية. وبين بآية اللعان أن القاذف إذا كان زوجا له أن يدفع الحد عنه باللعان، وإذا كان المقذوف زوجة القاذف لها أن تدفع حد الزنا عنها بلعانها فأيهما امتنع عن اللعان
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»
الفهرست